وثقه علي بن المديني وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه وقال النسائي ليس به بأس وقال الدارقطني كثير الوهم (قلت) وماله في البخاري سوى هذا الموضوع وقد قرنه بغيره ولكنه ساق المتن هنا على لفظه (قوله عن أبي معبد) كذا للجميع بفتح الميم وسكون المهملة ثم موحدة وفي بعض النسخ عن أبي سعيد وهو تصحيف وكأن الميم انفتحت فصارت تشبه السين (قوله سمعت ابن عباس لما بعث) كذا فيه بحذف قال أو يقول وقد جرت العادة بحذفه خطأ ويقال يشترط النطق به (قوله لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن) أي إلى جهة أهل اليمن وهذه الرواية تقيد الرواية المطلقة بلفظ حين بعثه إلى اليمن فبينت هذه الرواية ان لفظ اليمن من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أو من إطلاق العام وإرادة الخاص أو لكون اسم الجنس يطلق على بعضه كما يطلق على كله والراجح انه من حمل المطلق على المقيد كما صرحت به هذه الرواية وقد تقدم في باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن في أواخر المغازي من رواية أبي بردة بن أبي موسى وبعث كل واحد منها على مخلاف قال واليمن مخلافان وتقدم ضبط المخلاف وشرحه هناك ثم قوله إلى أهل اليمن من إطلاق الكل وإرادة البعض لأنه انما بعثه إلى بعضهم لا إلى جميعهم ويحتمل ان يكون الخبر على عمومه في الدعوى إلى الأمور المذكورة وإن كانت امرة معاذ انما كانت على جهة من اليمن مخصوصة (قوله انك تقدم على قوم من أهل الكتاب) هم اليهود وكان ابتداء دخول اليهودية اليمن في زمن أسعد ذي كرب وهو تبع الأصغر كما ذكره ابن إسحاق مطولا في السيرة فقام الاسلام وبعض أهل اليمن على اليهودية ودخل دين النصرانية إلى اليمن بعد ذلك لما غلبت الحبشة على اليمن وكان منهم أبرهة صاحب الفيل الذي غزا مكة وأراد هدم الكعبة حتى أجلاهم عنها سيف بن ذي يزن كما ذكره ابن إسحاق مبسوطا أيضا ولم يبق بعد ذلك باليمن أحد من النصارى أصلا الا بنجران وهي بين مكة واليمن وبقى ببعض بلادها قليل من اليهود (قوله فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك) مضى في وسط الزكاة من طريق إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بلفظ فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله وكذا أخرجه مسلم عن الشيخ الذي أخرجه عنه البخاري وقد تمسك به من قال أول واجب المعرفة كامام الحرمين واستدل بأنه لا يتأتى الاتيان بشئ من المأمورات على قصد الامتثال ولا الانكفاف عن شئ من المنهيات على قصد الانزجار الا بعد معرفة الآمر والناهي واعترض عليه بان المعرفة لا تتأتى الا بالنظر والاستدلال وهو مقدمة الواجب فيجب فيكون أول واجب النظر وذهب إلى هذا طائفة كابن فورك وتعقب بان النظر ذو أجزاء يترتب بعضها على بعض فيكون أول واجب جزأ من النظر وهو محكى عن القاضي أبي بكر بن الطيب وعن الأستاذ أبي إسحاق الأسفرايني أول واجب القصد إلى النظر وجمع بعضهم بين هذه الأقوال بان من قال أول واجب المعرفة أراد طلبا وتكليفا ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالا لأنه يسلم انه وسيلة إلى تحصيل المعرفة فيدل ذلك على سبق وجوب المعرفة وقد ذكرت في كتاب الايمان من اعرض عن هذا من أصله وتمسك بقوله تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها وحديث كل مولود يولد على الفطرة فأن ظاهر الآية والحديث ان المعرفة حاصلة بأصل الفطرة وان الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله عليه الصلاة والسلام
(٢٩٣)