رجوعه إلى الحق ان يقيم عليه الأدلة إلى أن يذعن فيسلم أو يعاند فيهلك بخلاف المؤمن فإنه لا يحتاج في أصل ايمانه إلى ذلك وليس سبب الأول الا جعل الأصل عدم الايمان فلزم إيجاب النظر المؤدي إلى المعرفة والا فطريق السلف أسهل من هذا كما تقدم إيضاحه من الرجوع إلى ما دلت عليه النصوص حتى يحتاج إلى ما ذكر من إقامة الحجة على من ليس بمؤمن فاختلط الامر على من اشترط ذلك والله المستعان واحتج بعض من أوجب الاستدلال باتفاقهم على ذم التقليد وذكروا الآيات والأحاديث الواردة في ذم التقليد وبأن كل أحد قبل الاستدلال لا يدري أي الامرين هو الهدى وبأن كل ما لا يصح الا بالدليل فهو دعوى لا يعمل بها وبأن العلم اعتقاد الشئ على ما هو عليه من ضرورة أو استدلال وكل ما لم يكن علما فهو جهل ومن لم يكن عالما فهو ضال والجواب عن الأول ان المذموم من التقليد اخذ قول الغير بغير حجة وهذا ليس منه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الله أوجب اتباعه في كل ما يقول وليس العمل فيما أمر به أو نهى عنه داخلا تحت التقليد المذموم اتفاقا واما من دونه ممن اتبعه في قول قاله وأعتقد انه لو لم يقله لم يقل هو به فهو المقلد المذموم بخلاف ما لو اعتقد ذلك في خبر الله ورسوله فإنه يكون ممدوحا وأما احتجاجهم بأن أحدا لا يدري قبل الاستدلال أي الامرين هو الهدى فليس بمسلم بل من الناس من تطمئن نفسه وينشرح صدره للاسلام من أول وهلة ومنهم من يتوقف على الاستدلال فالذي ذكروه هم أهل الشق الثاني فيجب عليه النظر ليقي نفسه النار لقوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا ويجب على كل من استرشده ان يرشده ويبرهن له الحق وعلى هذا مضى السلف الصالح من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده واما من استقرت نفسه إلى تصديق الرسول ولم تنازعه نفسه إلى طلب دليل توفيقا من الله وتيسيرا فهم الذين قال الله في حقهم ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم الآية وقال فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام الآية وليس هؤلاء مقلدين لآبائهم ولا لرؤسائهم لانهم لو كفر آباؤهم أو رؤساؤهم لم يتابعوهم بل يجدون النفرة عن كل من سمعوا عنه ما يخالف الشريعة واما الآيات والأحاديث فإنما وردت في حق الكفار الذين اتبعوا من نهوا عن اتباعه وتركوا اتباع من أمروا باتباعه وانما كلفهم الله الاتيان ببرهان على دعواهم بخلاف المؤمنين فلم يرد قط انه أسقط اتباعهم حتى يأتوا بالبرهان وكل من خالف الله ورسوله فلا برهان له أصلا وانما كلف الاتيان بالبرهان تبكيتا وتعجيزا واما من اتبع الرسول فيما جاء به فقد اتبع الحق الذي أمر به وقامت البراهين على صحته سواء علم هو بتوجيه ذلك البرهان أم لا وقول من قال منهم ان الله ذكر الاستدلال وامر به مسلم لكن هو فعل حسن مندوب لكل من أطاقه وواجب على كل من لم تكن نفسه إلى التصديق كما تقدم تقريره وبالله التوفيق وقال غيره قول من قال طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم ليس بمستقيم لأنه ظن أن طريقة السلف مجرد الايمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك وان طريقه الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف والدعوى في طريقة الخلف وليس الامر كما ظن بل السلف في غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى وفي غاية التعظيم له والخضوع لامره والتسليم لمراده وليس من سلك طريق الخلف واثقا بان الذي يتأوله هو المراد ولا يمكنه القطع بصحة تأويله واما قولهم في العلم فزادوا في
(٢٩٦)