ما استطعتم وفي رواية محمد بن زياد فافعلوا قال النووي هذا من جوامع الكلم وقواعد الاسلام ويدخل فيه كثير من الاحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة واخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والامساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها وقال غيره فيه ان من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور وعبر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور لا يسقط بالمعسور كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره وتصح توبة الأعمى عن النظر المحرم والمجبوب عن الزنا لان الأعمى والمجبوب قادران على الندم فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود إذ لا يتصور منهما العود عادة فلا معنى للعزم على عدمه واستدل به على أن من أمر بشئ فعجز عن بعضه ففعل المقدور انه يسقط عنه ما عجز عنه وبذلك استدل المزني على أن ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح ان القضاء بأمر جديد واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه اطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة وهذا منقول عن الإمام أحمد فان قيل إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها فجوابه ان الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل والذي يظهر ان التقييد في الامر بالاستطاعة لا يدل على المدعي من الاعتناء به بل هو من جهة الكف إذ كل أحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلا فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل فان العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الامر بحسب الاستطاعة دون النهي وعبر الطوفي في هذا الموضع بان ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه أو الاستمرار على عدمه وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم المنهي عنه قد تتخلف واستدل له بجواز أكل المضطر الميتة وأجيب بان النهي في هذا عارضه الاذن بالتناول في تلك الحالة وقال ابن فرج في شرح الأربعين قوله فاجتنبوه هو على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الاكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالايمان كما نطق به القرآن انتهى والتحقيق ان المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال وأجاب الماوردي بان الكف عن المعاصي ترك وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو يشق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك لا يعجز المعذور عنه وأباح ترك العمل بالعذر لان العمل قد يعجز المعذور عنه وادعى بعضهم ان قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة واستويا فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الامر دون النهي ان العجز يكثر تصوره في الامر بخلاف النهي فان تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وزعم بعضهم ان قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم نسخ بقوله تعالى فاتقوا الله حق تقاته والصحيح ان لا نسخ بل المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز واستدل به على أن المكروه يجب اجتنابه لعموم الامر باجتناب المنهي عنه فشمل الواجب والمندوب وأجيب بأن قوله فاجتنبوه يعمل به في الايجاب والندب بالاعتبارين ويجئ مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب
(٢٢٢)