الديانات فتصدى لها المثبتة والنفاة فبالغ الأول حتى شبه وبالغ الثاني حتى عطل واشتد إنكار السلف لذلك كأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور وسببه انهم تكلموا فيما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وثبت عن مالك انه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر شئ من الأهواء يعني بدع الخوارج والروافض والقدرية وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان وجعلوا كلام الفلاسفة أصلا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا ان الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل وان من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف وان لم يكن له منه بد فليكتف منه بقدر الحاجة ويجعل الأول المقصود بالأصالة والله الموفق وقد أخرج أحمد بسند جيد عن غضيف بن الحرث قال بعث إليه عبد الملك بن مروان فقال انا قد جمعنا الناس على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة وعلى القصص بعد الصبح والعصر فقال أما انهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم إلى شئ منهما لان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أحدث قوم بدعة الا رفع من السنة مثلها فتمسك بسنة خير من احداث بدعة انتهى وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة فما ظنك بما لا أصل له فيها فكيف بما يشتمل على ما يخالفها وقد مضى في كتاب العلم ان ابن مسعود كان يذكر الصحابة كل خميس لئلا يملوا ومضى في كتاب الرقاق ان ابن عباس قال حدث الناس كل جمعة فان أبيت فمرتين ونحوه وصية عائشة لعبيد بن عمير والمراد بالقصص التذكير والموعظة وقد كان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يكن يجعله راتبا كخطبة الجمعة بل بحسب الحاجة واما قوله في حديث العرباض فان كل بدعة ضلالة بعد قوله وإياكم ومحدثات الأمور فإنه يدل على أن المحدث يسمى بدعة وقوله كل بدعة ضلالة قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها أما منطقوها فكأن يقال حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لان الشرع كله هدى فان ثبت ان الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان وأنتجتا المطلوب والمراد بقوله كل بدعة ضلالة ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام وقوله في آخر حديث ابن مسعود وان ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين أراد ختم موعظته بشئ من القرآن يناسب الحال وقال ابن عبد السلام في أواخر القواعد البدعة خمسة أقسام فالواجبة كالاشتغال بالنحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله لان حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى الا بذلك فيكون من مقدمة الواجب وكذا شرح الغريب وتدوين أصول الفقه والتوصل إلى تمييز الصحيح والسقيم والمحرمة ما رتبه من خالف السنة من القدرية والمرجئة والمشبهة والمندوبة كل إحسان لم يعهد عينه في العهد النبوي كالاجتماع عن التراويح وبناء المدارس والربط والكلام في التصوف المحمود وعقد مجالس المناظرة ان أريد بذلك وجه الله والمباحة كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر والتوسع في المستلذات من أكل وشرب وملبس ومسكن وقد يكون بعض ذلك مكروها أو خلاف الأولى والله أعلم * الحديث الرابع والخامس حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في قصة العسيف قالا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأقضين بينكما بكتاب
(٢١٣)