فإذا كان من العشي تعشى فشرب على عشائه فإن فضل شئ صببته ثم تنبذ له بالليل فإذا أصبح وتغدى شرب على غدائه قالت نغسل السقاء غدوة وعشية وفي حديث عبد الله بن الديلمي عن أبيه قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم ما نصنع بالزبيب قال انبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم أخرجه أبو داود والنسائي فهذه الأحاديث فيها التقييد باليوم والليلة وأما ما أخرج مسلم من حديث ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب من الليل في السقاء فإذا أصبح شربه يومه وليلته ومن الغد فإذا كان مساء شربه أو سقاه الخدم فإن فضل شئ أراقه وقال ابن المنذر الشراب في المدة التي ذكرتها عائشة يشرب حلوا وأما الصفة التي ذكرها ابن عباس فقد ينتهي إلى الشدة والغليان لكن يحمل ما ورد من أمر الخدم بشربه على أنه لم يبلغ ذلك ولكن قرب منه لأنه لو بلغ ذلك لأسكر ولو أسكر لحرم تناوله مطلقا انتهى وقد تمسك بهذا الحديث من قال بجواز شرب قليل ما أسكر كثيره ولا حجة فيه لأنه ثبت أنه بدأ فيه بعض تغير في طعمه من حمض أو نحوه فسقاه الخدم وإلى هذا أشار أبو داود فقال بعد أن أخرجه قوله سقاه الخدم يريد أنه تبادر به الفساد انتهى ويحتمل أن يكون أو في الخبر للتنويع لأنه قال سقاه الخدم يريد انه تبادر به الفساد انتهى ويحتمل ان يكون اوفى الخبر للتنويع لأنه قال سقاه الخدم أو أمر به فأهريق أي إن كان بدا في طعمه بعض التغير ولم يشتد سقاه الخدم وأن كان أشتد أمر بإهراقه وبهذا جزم النووي فقال هو اختلاف على حالين إن ظهر فيه شدة صبه وأن لم تظهر شدة سقاه الخدم لئلا تكون فيه إضاعة مال وإنما يتركه هو تنزها وجمع بين حديث ابن عباس وعائشة بأن شرب النقيع في يومه لا يمنع شرب النقيع في أكثر من يوم ويحتمل أن يكون باختلاف حال أو زمان يحمل الذي يشرب في يومه على ما إذا كان قليلا وذاك على ما إذا كان كثيرا فيفضل منه ما يشربه فيما بعد وإما بأن يكون في شدة الحر مثلا فيسارع إليه الفساد وذاك في شدة برد فلا يتسارع إليه (قوله باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأوعية والظروف بعد النهي) ذكر فيه خمسة أحاديث * أولها حديث جابر وهو عام في الرخصة * ثانيها حديث عبد الله بن عمرو وفيه استثناء المزفت * ثالثها حديث علي في النهي عن الدباء والمزفت * رابعها حديث عائشة مثله * خامسها حديث عبد الله بن أبي أوفى في النهي عن الجر الأخضر وظاهر صنيعه أنه يرى أن عموم الرخصة مخصوص بما ذكر في الأحاديث الأخرى وهي مسئلة خلاف فذهب مالك إلى ما دل عليه صنيع البخاري وقال الشافعي والثوري وابن حبيب من المالكية يكره ذلك ولا يحرم وقال سائر الكوفيين يباح وعن أحمد روايتان وقد أسند الطبري عن عمر ما يؤيد قول مالك وهو قوله لان أشرب من قمقم محمى فيحرق ما أحرق ويبقى ما أبقى أحب إلي من أن أشرب نبيذ الجر وعن ابن عباس لا يشرب نبيذ الجر ولو كان أحلى من العسل وأسند النهي عن جماعة من الصحابة وقال ابن بطال النهي عن الأوعية إنما كان قطعا للذريعة فلما قالوا لا نجد بدا من الانتباذ في الأوعية قال انتبذوا وكل مسكر حرام وهكذا الحكم في كل شئ نهي عنه بمعنى النظر إلى غيره فإنه يسقط للضرورة كالنهي عن الجلوس في الطرقات فلما قالوا لا بد لنا منها قال فأعطوا الطريق حقها وقال الخطابي ذهب الجمهور إلا أن النهي إنما كان أولا ثم نسخ وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باق منهم ابن عمر وابن عباس وبه قال مالك وأحمد وإسحق كذا أطلق قال والأول أصح
(٥٠)