ولا شئ عندهم ولا صانع سواه وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فكيف يقلب الشئ نفسه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب نفس الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يجري فيهما من الحوادث وذلك هو أغلب ما يقع من الناس وهو الذي يعطيه سياق الحديث حيث نفى عنهما التأثير فكأنه قال لا ذنب لهما في ذلك وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعا ولغة إلى الذي جرى على يديه ويضاف إلى الله تعالى لكونه بتقديره فأفعال العباد من أكسابهم ولهذا ترتبت عليها الاحكام وهي في الابتداء خلق الله ومنها ما يجري بغير وساطة فهو منسوب إلى قدرة القادر وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير لا لغة ولا عقلا ولا شرعا وهو المعنى في هذا الحديث ويلتحق بذلك ما يجري من الحيوان غير العاقل ثم أشار بأن النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى على الأدنى وأن فيه إشارة إلى ترك سب كل شئ مطلقا الا ما أذن الشرع فيه لان العلة واحدة والله أعلم انتهى ملخصا واستنبط منه أيضا منع الحيلة في البيوع كالعينة لأنه نهى عن سب الدهر لما يؤل إليه من حيث المعنى وجعله سبا لخالقه (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الكرم قلب المؤمن وقد قال إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة كقوله إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب كقوله لا ملك ألا الله فوصفه بانتهاء الملك ثم ذكر الملوك أيضا فقال إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها) غرض البخاري أن الحصر ليس على ظاهره وإنما المعنى أن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن ولم يرد أن غيره لا يسمى كرما كما أن المراد بقوله إنما المفلس من ذكر ولم يرد أن من يفلس في الدنيا لا يسمى مفلسا وبقوله إنما الصرعة كذلك وكذا قوله لا ملك إلا الله لم يرد أنه لا يجوز أن يسمى غيره ملكا وإنما أراد الملك الحقيقي وان سمي غيره ملكا واستشهد لذلك بقوله تعالى ان الملوك وفي القرآن من ذلك عدة أمثلة كقوله تعالى وقال الملك في صاحب يوسف وغيره وأشار ابن بطال إلى أنه يؤخذ من ذلك ترك المبالغة والاغراق في الوصف إذا كان الموصوف لا يستحق ذلك وحديث إنما المفلس يأتي الكلام عليه في الرقاق وحديث إنما الصرعة تقدم قريبا وحديث لا ملك إلا الله يأتي الكلام عليه في باب أبغض الأسماء إلى الله ووقع لبعض الرواة هنا بلفظ لا ملك إلا الله بضم الميم وسكون اللام وحذف الألف بعد قوله إلا والأول هو اللائق للسياق (قوله ويقولون الكرم إنما الكرم قلب المؤمن) هكذا وقع في هذه الرواية من طريق سفيان بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سعيد ووقع في الباب الذي قبله من رواية معمر عن الزهري عن أبي سلمة بلفظ لا تسموا العنب كرما وهي رواية ابن سيرين عن أبي هريرة عند مسلم وعنده من طريق همام عن أبي هريرة لا يقل أحدكم للعنب الكرم إنما الكرم الرجل المسلم وله من حديث وائل بن حجر لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة قالوا وفي قوله في الباب ويقولون عاطفة على شئ حذف هنا وكأنه الحديث الذي قبله وقد أخرجه ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان ومن طريقه الإسماعيلي فقال في أوله يقولون بغير واو أخرجه الحميدي في مسنده ومن طريق أبو نعيم وذكره بالواو كما ذكره البخاري عن علي بن عبد الله وكذا أخرجه أحمد في مسنده عن سفيان ولكن قال فيه عن أبي هريرة رفعه وقال مرة يبلغ به وقال مرة قال رسول الله
(٤٦٧)