الطريق إلى رواية الزبيدي قويت جدا والله أعلم (قوله باب العين حق) أي الإصابة بالعين شئ ثابت موجود أو هو من جملة ما تحقق كونه قال المازري أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى لان كل شئ ليس محالا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فهو من متجاوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لانكاره معنى وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة (قوله العين حق ونهى عن الوشم) لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين فكأنهما حديثان مستقلان ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتهما مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق الذي أخرجه البخاري من جهته ويحتمل أن يقال المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر وسيأتي بيان حكمة في باب المستوشمة من أواخر كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها وهي أن من جملة الباعث على عمل الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين فنهى عن الوشم مع إثبات العين وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا وأن الذي قدره الله سيقع وأخرج مسلم من حديث ابن عباس رفعه العين حق ولو كان شئ سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا فأما الزيادة الأولى ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن قوله العين حق يريد به القدر أي العين التي تجري منها الاحكام فإن عين الشئ حقيقته والمعنى أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق لا بشئ يحدثه الناظر في المنظور ووجه الرد أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور لكن ظاهره اثبات العين التي تصيب إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها وإما باجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في اثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر شئ إذ القدر عبارة عن سابق علم الله وهو لا راد لامره أشار إلى ذلك القرطبي وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها وقد أخرج البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس قال الراوي يعني بالعين وقال النووي في الحديث إثبات القدر وصحة أمر العين وأنها قوية الضرر وأما الزيادة الثانية وهي أمر العاين بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل في ذلك وظاهر الامر الوجوب وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الاغتسال وقد وقعت في حديث سهل بن حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان أبيض حسن
(١٧٣)