في الحرب بين درعين ولبس على رأسه المغفر وأقعد الرماة على فم الشعب وخندق حول المدينة وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وادخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو على كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك وقال للذي سأله أعقل ناقتي أو أدعها قال اعقلها وتوكل فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل والله أعلم (قوله باب الطيرة) بكسر المهملة وفتح التحتانية وقد تسكن هي التشاؤم بالشين وهو مصدر تطير مثل تحير حيرة قال بعض أهل اللغة لم يجئ من المصادر هكذا غير هاتين وتعقب بأنه سمع طيبة وأورد بعضهم التولة وفيه نظر وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر وأن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها فجاء الشرع بالنهي عن ذلك وكانوا يسمونه السانح بمهملة ثم نون ثم حاء مهملة والبارح بموحدة وآخره مهملة فالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك والبارح بالعكس وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح لأنه لا يمكن رميه إلى بأن ينحرف إليه وليس في شئ من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له إذ لا نطق للطير ولا تمييز فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير ويتمدح بتركه قال شاعر منهم ولقد غدوت وكنت لا * أغدو على واق وحاتم فإذا الأشائم كالأيامن * والأيامن كالأشائم وقال آخر الزجر والطير والكهان كلهم * مضللون ودون الغيب أقفال وقال آخر وما عاجلات الطير تدنى من الفتى * نجاحا ولا عن رئيهن قصور وقال آخر لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى * ولا زاجرات الطير ما الله صانع وقال آخر تخير طيرة فيها زياد * لتخبره وما فيها خبير تعلم أنه لا طير إلا * على متطير وهو الثبور بلى شئ يوافق بعض شئ * أحايينا وباطله كثير وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين وقد أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أنس رفعه لا طيرة والطيرة على من تطير وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد فإذا تطيرت فلا ترجع وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق وهذا مرسل أو معضل لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب وأخرج ابن عدي بسند لين عن أبي هريرة رفعه إذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا
(١٨٠)