حديث جابر مرفوعا أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه وفي حديث أنس الآتي بعد بابين أن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري وهو محمول على أنه وصف لكل ما يلائمه فحيث وصف الهندي كان الاحتياج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لان الهندي كما تقدم أشد حرارة من البحري وقال ابن سينا القسط حار في الثالثة يابس في الثانية (قوله فإن فيه سبعة أشفية) جمع شفاء كدواء وأدوية (قوله يسعط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب) كذا وقع الاقتصار في الحديث من السبعة على اثنين فإما أن يكون ذكر السبعة فاختصره الراوي أو اقتصر على الاثنين لوجودهما حينئذ دون غيرهما وسيأتي ما يقوي الاحتمال الثاني وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل ديدان الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك شهوة الجماع ويذهب الكلف طلاء فذكروا أكثر من سبعة وأجاب بعض الشراح بأن السبعة علمت بالوحي وما زاد عليها بالتجربة فاقتصر على ما هو بالوحي لتحققه وقيل ذكر ما يحتاج إليه دون غيره لأنه لم يبعث بتفاصيل ذلك (قلت) ويحتمل أن تكون السبعة أصول صفة التداوي بها لأنها إما طلاء أو شرب أو تكميد أو تنطيل أو تبخير أو سعوط أو لدود فالطلاء يدخل في المراهم ويحل بالزيت يلطخ وكذا التكميد والشرب يسحق ويجعل في عسل أو ماء أو غيرهما وكذا التنطيل والسعوط يسحق في زيت ويقطر في الانف وكذا الدهن والتبخير واضح وتحت كل واحدة من السبعة منافع لا دواء مختلفة ولا يستغرب ذلك ممن أوتي جوامع الكلم وأما العذرة فهي بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبا وقيل هي قرحة تخرج بين الاذن والحلق أو في الخرم الذي بين الانف والحلق قيل سميت بذلك لأنها تخرج غالبا عند طلوع العذرة وهي خمسة كواكب تحت الشعري العبور ويقال لها أيضا العذاري وطلوعها يقع وسط الحر وقد استشكل معالجتها بالقسط مع كونه حارا والعذرة إنما تعرض في زمن الحر بالصبيان وأمزجتهم حارة ولا سيما قطر الحجاز حار وأجيب بأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم وفي القسط تجفيف للرطوبة وقد يكون نفعه في هذا الدواء بالخاصية وأيضا فالأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض كثيرا بل وبالذات أيضا وقد ذكر ابن سينا في معالجة سعوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وغيره على أننا لو لم نجد شيئا من التوجيهات لكان أمر المعجزة خارجا عن القواعد الطبية وسيأتي بيان ذات الجنب في باب اللدود وفيه شرح بقية حديث أم قيس هذا وقولها ودخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي تقدم مطولا في الطهارة وهو حديث آخر لام قيس وقد ذكره هنا استطرادا والله أعلم (قوله باب أية ساعة يحتجم) في رواية الكشميهني أي ساعة بلا هاء والمراد بالساعة في الترجمة مطلق الزمان لا خصوص الساعة المتعارفة (قوله واحتجم أبو موسى ليلا) تقدم موصولا في كتاب الصيام وفيه أن امتناعه من الحجامة نهارا كان بسبب الصيام لئلا يدخله خلل وإلى ذلك ذهب مالك فكره الحجامة للصائم لئلا يغرر بصومه لا لكون الحجامة تفطر الصائم وقد تقدم للبحث في حديث أفطر الحاجم والمحجوم هناك وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شئ على شرطه فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج ولا تقيد بوقت
(١٢٥)