فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم وإلى هذا أشار ابن الزبير في قوله فإنه لا يحل لها قطيعتي أي إن كانت هجرتي عقوبة على ذنبي فليكن لذلك أمد وإلا فتأييد ذلك يفضي إلى قطيعة الرحم وقد كانت عائشة علمت بذلك لكنها تعارض عندها هذا والنذر الذي التزمته فلما وقع من اعتذار ابن الزبير واستشفاعه ما وقع رجح عندها ترك الاعراض عنه واحتاجت إلى التكفير عن نذرها بالعتق الذي تقدم ذكره ثم كانت بعد ذلك يعرض عندها شك في أن التكفير المذكور لا يكفيها فتظهر الأسف على ذلك إما ندما على ما صدر منها من أصل النذر المذكور وإما خوفا من عاقبة ترك الوفاء به والله أعلم (قوله باب ما يجوز من الهجران لمن عصى) أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لان عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجره سبب مشروع فتبين هنا السبب المسوغ للهجر وهو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها (قوله وقال كعب) أي ابن مالك الأنصاري (حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا وذكر خمسين ليلة) وهذا طرف من الحديث الطويل وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر المغازي وذكر حديث عائشة أني لأعرف غضبك ورضاك وقد تقدم شرحه في باب غيرة النساء ووجدهن في كتاب النكاح قال المهلب غرض البخاري في هذا الباب أن يبين صفة الهجران الجائز وأنه يتنوع بقدر الجرم فمن كان من أهل العصيان يستحق الهجران بترك المكالمة كما في قصة كعب وصاحبيه وما كان من المغاضبة بين الأهل والاخوان فيجوز الهجر فيه بترك التسمية مثلا أو بترك بسط الوجه مع عدم هجر السلام والكلام وقال الكرماني لعله أراد قياس هجران من يخالف الامر الشرعي على هجران اسم من يخالف الامر الطبيعي وقال الطبري قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي وقد استشكل كون هجران الفاسق أو المبتدع مشروعا ولا يشرع هجران الكافر وهو أشد جرما منهما لكونهما من أهل التوحيد في الجملة وأجاب ابن بطال بأن لله أحكاما فيها مصالح للعباد وهو أعلم بشأنها وعليهم التسليم لامره فيها فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه وأجاب غيره بأن الهجران على مرتبتين الهجران بالقلب والهجران باللسان فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتعاون والتناصر لا سيما إذا كان حربيا وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالبا ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما المشروع ترك المكالمة بالموادة ونحوها قال عياض إنما اغتفرت مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم مع ما في ذلك من الحرج لان الغضب على النبي صلى الله عليه وسلم معصية كبيرة لان الحامل لها على ذلك الغيرة التي جبلت عليها النساء وهي لا تنشأ إلا عن فرط المحبة فلما كان الغضب لا يستلزم البغض اغتفر لان البغض هو الذي يفضي إلى الكفر أو المعصية وقد دل قولها لا أهجر الا اسمك على أن قلبها مملوء بمحبته صلى الله عليه وسلم (قوله أجل) بوزن نعم ومعناه وقال الأخفش الا أن نعم أحسن من أجل في جواب الاستفهام وأجل أحسن من نعم في التصديق (قلت) وهي في هذا الحديث على وفق ما قال (قوله باب هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا) قيل العشي من الزوال إلى العتمة وقيل إلى الفجر فقال ابن فارس العشاء بالفتح والمد الطعام وبالكسر من الزوال إلى العتمة
(٤١٥)