فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة ورواته ثقات وحكى ابن بطال عن الطبري أن المراد بالكبر في هذه الأحاديث الكفر بدليل قوله في الأحاديث على الله ثم قال ولا ينكر أن يكون من الكبر ما هو استكبار على غير الله تعالى ولكنه غير خارج عن معنى ما قلناه لان معتقد الكبر على ربه يكون لخلق الله أشد استحقارا انتهى وقد أخرج مسلم من حديث عياض بن حمار بكسر المهملة وتخفيف الميم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد الحديث والامر بالتواضع نهى عن الكبر فإنه ضده وهو أعم من الكفر وغيره واختلف في تأويل ذلك في حق المسلم فقيل لا يدخل الجنة مع أول الداخلين وقيل لا يدخلها بدون مجازاة وقيل جزاؤه أن لا يدخلها ولكن قد يعفى عنه وقيل ورد مورد الزجر والتغليظ وظاهره غير مراد وقيل معناه لا يدخل الجنة حال دخولها وفي قلبه كبر حكاه الخطابي واستضعفه النووي فأجاد لان الحديث سيق لذم الكبر وصاحبه لا للاخبار عن صفة دخول أهل الجنة الجنة قال الطيبي المقام يقتضي حمل الكبر على من يرتكب الباطل لان تحرير الجواب إن كان استعمال الزينة لاظهار نعمة الله فهو جائز أو مستحب وإن كان للبطر المؤدي إلى تسفيه الحق وتحقير الناس والصد عن سبيل الله فهو المذموم (قوله باب الهجرة) بكسر الهاء وسكون الجيم أي ترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا وهي في الأصل الترك فعلا كان أو قولا وليس المراد بها مفارقة الوطن فإن تلك تقدم حكمها (قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال) قد وصله في الباب عن أبي أيوب وأراد هنا أن يبين أن عمومه مخصوص بمن هجر أخاه بغير موجب لذلك قال النووي قال العلماء تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم وإنما عفى عنه في ذلك لان الآدمي مجبول على الغضب فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض وقال أبو العباس القرطبي المعتبر ثلاث ليال حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار الغي البعض وتعتبر ليلة ذلك اليوم وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة (قلت) وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود وقد مضى في باب ما نهي عن التحاسد في رواية شعيب في حديث أبي أيوب بلفظ ثلاثة أيام فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها ويكون الاعتبار مضى ثلاثة أيام بلياليها ملفقة إذا ابتدئت مثلا من الظهر يوم السبت كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء ويحتمل أن يلغى الكسر ويكون أول العدد من ابتداء اليوم أو الليلة والأول أحوط ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الحديث الأول وفيه عن ثلاثة من الصحابة شئ مرفوع وباقيه عنهم وعن رابع موقوف (قوله حدثني عوف بن الطفيل وهو ابن أخي عائشة) كذا عند النسفي وأبي ذر وعند غيرهما وكذا أخرجه أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه فقال عوف بن مالك بن الطفيل وهو ابن أخي عائشة لامها وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق علي بن المديني من رواية الأوزاعي وصالح بن كيسان ومعمر ثلاثتهم عن الزهري ففي رواية الأوزاعي عنه حدثني الطفيل بن الحرث وكان من أزد شنوءة وكان أخا لها من أمها أم رومان وفي رواية صالح عنه حدثني عوف بن الطفيل ابن الحرث وهو ابن أخي عائشة لامها وفي رواية معمر عوف بن الحارث بن الطفيل قال علي بن المديني هكذا اختلفوا والصواب عندي وهو المعروف عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة
(٤١٠)