وأخير وشر وأشر بمعنى ولكن الذي بالألف أقل استعمالا ويحتمل أن يكون المراد بالناس من ذكر من الطائفتين المتضادتين خاصة فإن كل طائفة منهما مجانبة للأخرى ظاهرا فلا يتمكن من الاطلاع على أسرارها إلا بما ذكر من خداعه الفريقين ليطلع على أسرارهم فهو شرهم كلهم والأولى حمل الناس على عمومة فهو أبلغ في الذم وقد وقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي شهاب عن الأعمش بلفظ من شر خلق الله ذو الوجهين قال القرطبي إنما كان ذو الوجهين شر الناس لان حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس وقال النووي هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة قال فأما من يقصد بذلك الاصلاح بين الطائفتين فهو محمود وقال غيره الفرق بينهما أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذمل كل طائفة عند الأخرى والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل إليه ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح ويؤيد هذه التفرقة رواية الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن الأعمش الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء وقال ابن عبد البر حمله على ظاهره جماعة وهو أولى وتأوله قوم على أن المراد به من يرائي بعمله فيرى الناس خشوعا واستكانة ويوهمهم أنه يخشى الله حتى يكرموه وهو في الباطن بخلاف ذلك قال وهذا محتمل لو اقتصر في الحديث على صدره فإنه داخل في مطلق ذي الوجهين لكن بقية الحديث ترد هذا التأويل وهي قوله يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه (قلت) وقد اقتصر في رواية الترمذي على صدر الحديث لكن دلت بقية الروايات على أن الراوي اختصره فإنه عند الترمذي من رواية الأعمش وقد ثبت هنا من رواية الأعمش بتمامه ورواية ابن نمير التي أشرت إليها هي التي ترد التأويل المذكور صريحا وقد رواه البخاري في الأدب المفرد من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا وأخرج أبو داود من حديث عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار وفي الباب عن أنس أخرجه ابن عبد البر بهذا اللفظ وهذا يتناول الذي حكاه ابن عبد البر عمن ذكره بخلاف حديث الباب فإنه فسر من يتردد بين طائفتين من الناس والله أعلم (قوله باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه) قد تقدمت الإشارة إلى أن المذموم من نقله الاخبار من يقصد الافساد واما من يقصد النصيحة ويتحرى الصدق ويتجنب الأذى فلا وقل من يفرق بين البابين فطريق السلامة في ذلك لمن يخشى عدم الوقوف على ما يباح من ذلك مما لا يباح الامساك عن ذلك وذكر فيه حديث ابن مسعود في إخباره النبي صلى الله عليه وسلم بقول القائل هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وسيأتي شرحه مستوفى في باب الصبر على الأذى إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الرواية فتمعر وجهه بالعين المهملة أي تغير من الغضب وللكشميهني فتمغر بالغين المعجمة أي صار لونه لون المغرة وأراد البخاري بالترجمة بيان جواز النقل على وجه النصيحة لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن مسعود نقله ما نقل بل غضب من قول المنقول عنه ثم حلم عنه وصبر على أذاه ائتساء بموسى عليه السلام وامتثالا لقوله تعالى فبهداهم اقتده (قوله باب ما يكره من التمادح)
(٣٩٦)