الإشارة إلى استحضاره القصة بما فيها ليدل ذلك على إتقانه لها وقوله وأن رغم أنف أبي ذر يجوز في الغين المعجمة الفتح والكسر أي ذل كأنه لصق بالرغام وهو التراب وقوله قال أبو عبد الله هو البخاري (قوله هذا عند الموت أو قبله إذا تاب) أي من الكفر (وندم) يريد شرح قوله ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة وحاصل ما أشار إليه أن الحديث محمول على من وحد ربه ومات على ذلك تائبا من الذنوب التي أشير إليها في الحديث فإنه موعود بهذا الحديث بدخول الجنة ابتداء وهذا في حقوق الله باتفاق أهل السنة وأما حقوق العباد فيشترط ردها عند الأكثر وقيل بل هو كالأول ويثيب الله صاحب الحق بما شاء وأما من تلبس بالذنوب المذكورة ومات من غير توبة فظاهر الحديث أنه أيضا داخل في ذلك لكن مذهب أهل السنة أنه في مشيئة الله تعالى ويدل عليه حديث عبادة بن الصامت الماضي في كتاب الايمان فإن فيه ومن أتى شيئا من ذلك فلم يعاقب به فأمره إلى الله تعالى أن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه وهذا المفسر مقدم على المبهم وكل منهما يرد على المبتدعة من الخوارج ومن المعتزلة الذين يدعون وجوب خلود من مات من مرتكبي الكبائر من غير توبة في النار أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه ونقل ابن التين عن الداودي أن كلام البخاري خلاف ظاهر الحديث فإنه لو كانت التوبة مشترطة لم يقل وأن زنى وأن سرق قال وإنما المراد أنه يدخل الجنة إما ابتداء وإما بعد ذلك والله أعلم (قوله باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه) أي في بعض الثياب ووقع في شرح ابن بطال ومستخرج أبي نعيم زيادة افتراشه في الترجمة والأولى ما عند الجمهور وقد ترجم للافتراش مستقلا كما سيأتي بعد أبواب والحرير معروف وهو عربي سمي بذلك لخلوصه يقال لكل خالص محرر وحررت الشئ خلصته من الاختلاط بغيره وقيل هو فارسي معرب والتقييد بالرجال يخرج النساء وسيأتي في ترجمة مستقلة قال ابن بطال اختلف في الحرير فقال قوم يحرم لبسه في كل الأحوال حتى على النساء نقل ذلك عن علي وابن عمر وحذيفة وأبي موسى وابن الزبير ومن التابعين عن الحسن وابن سيرين وقال قوم يجوز لبسه مطلقا وحملوا الأحاديث الواردة في النهي عن لبسه على من لبسه خيلاء أو على التنزيه (قلت) وهذا الثاني ساقط لثبوت الوعيد على لبسه وأما قول عياض حمل بعضهم النهي العام في ذلك على الكراهة لا على التحريم فقد تعقبه ابن دقيق العيد فقال قد قال القاضي عياض أن الاجماع انعقد بعد ابن الزبير ومن وافقه على تحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء ذكر ذلك في الكلام على قول بن الزبير في الطريق التي أخرجها مسلم ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر فذكر الحديث الآتي في الباب قال فإثبات قول بالكراهة دون التحريم إما أن ينقض ما نقله عن الاجماع وإما أن يثبت أن الحكم العام قبل التحريم على الرجال كان هو الكراهة ثم انعقد الاجماع على التحريم على الرجال والإباحة للنساء ومقتضاه نسخ الكراهة السابقة وهو بعيد جدا وأما ما أخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال لقي عمر عبد الرحمن بن عوف فنهاه عن لبس الحرير فقال لو أطعتنا للبسته معنا وهو يضحك فهو محمول على أن عبد الرحمن فهم من إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له في لبس الحرير نسخ التحريم ولم ير تقييد الإباحة بالحاجة كما سيأتي واختلف في علة تحريم الحرير على رأيين مشهورين أحدهما الفخر والخيلاء والثاني لكونه ثوب رفاهية وزينة فيليق بزي النساء دون شهامة الرجال ويحتمل علة ثالثة وهي
(٢٣٩)