القاطع بينه وبين المعاصي قال عياض وغيره إنما جعل الحياء من الايمان وإن كان غريزة لان استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم وأما كونه خيرا كله ولا يأتي الا بخير فأشكل حمله على العموم لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الاخلال ببعض الحقوق والجواب أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيا والحياء الذي ينشأ عنه الاخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي وهو خلق يبعث على ترك القبيح (قلت) ويحتمل أن يكون أشير إلى أن من كان الحياء من خلقه أن الخير يكون فيه أغلب فيضمحل ما لعله يقع منه مما ذكر في جنب ما يحصل له بالحياء من الخير أو لكونه إذا صار عادة وتخلق به صاحبه يكون سببا لجلب الخير إليه فيكون منه الخير بالذات والسبب وقال أبو العباس القرطبي الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الايمان وهو المكلف به دون الغريزي غير أن من كان فيه غريزة منه فإنها تعينه على المكتسب وقد ينطبع بالمكتسب حتى يصير غريزا قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع له النوعان فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها وكان في الحياء المكتسب في الذروة العليا صلى الله عليه وسلم انتهى وبهذا تعرف مناسبة ذكر الحديث الثالث هنا وقد تقدم شرحه في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله عن مولى أنس قال أبو عبد الله اسمه عبد الله بن أبي عتبة كذا للأكثر وحكى الجياني أنه وقع لبعض رواة الفربري عبد الله بدل عبد الرحمن وأبو عبد الله المذكور هو البخاري هكذا جزم بتسميته هنا وتقدم كذلك مسمى هناك وفي اسمه خلاف فقيل عبد الرحمن وقيل عبيد الله بالتصغير والمعتمد أنه عبد الله مكبرا وقوله العذراء بفتح المهملة وسكون الذال المعجمة ثم راء ومد هي البكر والخدر بكسر المعجمة وسكون المهملة الموضع الذي تحبس فيه وتستتر والله أعلم (قوله باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت) كذا ترجم بلفظ الحديث وضمه في الأدب المفرد إلى ترجمة الحياء (قوله زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة ومنصور هو ابن المعتمر والاسناد كله كوفيون وقد تقدم الاختلاف فيه على ربعي في آخر ذكر بني إسرائيل (قوله إن مما أدرك الناس) وقع في حديث حذيفة عند أحمد والبزار إن آخر ما تعلق به أهل الجاهلية من كلام النبوة الأولى والناس يجوز فيه الرفع والعائد على ما محذوف ويجوز النصب وللعائد ضمير الفاعل وأدرك بمعنى بلغ وإذا لم تستح اسم للكلمة المشبهة بتأويل هذا القول (قوله فاصنع ما شئت) قال الخطابي الحكمة في التعبير بلفظ الامر دون الخبر في الحديث أن الذي يكف الانسان عن مواقعة الشر هو الحياء فإذا تركه صار كالمأمور طبعا بارتكاب كل شر وقد سبق هذا الحديث والإشارة إلى شرحه في ذكر بني إسرائيل في أواخر أحاديث الأنبياء وأشير هنا إلى زيادة على ذلك قال النووي في الأربعين الامر فيه للإباحة أي إذا أردت فعل شئ فإن كان مما لا تستحي إذا فعلته من الله ولا من الناس فافعله وإلا فلا وعلى هذا مدار الاسلام وتوجيه ذلك أن المأمور به الواجب والمندوب يستحي من تركه والمنهي عنه الحرام والمكروه يستحي من فعله وأما المباح فالحياء من فعله جائز وكذا من تركه فتضمن الحديث الأحكام الخمسة وقيل هو أمر تهديد كما تقدم توجيهه ومعناه إذا نزع منك الحياء فافعل ما شئت فإن الله مجازيك عليه وفيه إشارة إلى تعظيم أمر الحياء وقيل هو أمر بمعنى الخبر
(٤٣٤)