بتحديث عمران له بهذا الحديث (قوله وقص الحديث) ساقه النسائي موصولا عن عمرو بن منصور عن عبد الله بن رجاء عن حرب بن شداد بلفظ من لبس الحرير في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة وقد ذكر الدارقطني أن هذا اللفظ في حديث عمر خطأ ولعل البخاري لم يسق اللفظ لهذا المعنى وفي هذه الأحاديث بيان واضح لمن قال يحرم على الرجال لبس الحرير للوعيد المذكور وقد تقدم شرح معناه في كتاب الأشربة في شرح أول حديث منه فإن الحكم فيها واحد وهو نفي اللبس ونفي الشرب في الآخرة وفي الجنة وحاصل أعدل الأقوال أن الفعل المذكور مقتض للعقوبة المذكورة وقد يتخلف ذلك لمانع كالتوبة والحسنات التي توازن والمصائب التي تكفر وكدعاء الولد بشرائط وكذا شفاعة من يؤذن له في الشفاعة وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين وفيه حجة لمن أجاز لبس العلم من الحرير إذا كان في الثوب وخصه بالقدر المذكور وهو أربع أصابع وهذا هو الأصح عند الشافعية وفيه حجة على من أجاز العلم في الثوب مطلقا ولو زاد على أربعة أصابع وهو منقول عن بعض المالكية وفيه حجة على من منع العلم في الثوب مطلقا وهو ثابت عن الحسن وابن سيرين وغيرهما لكن يحتمل أن يكونوا منعوه ورعا وإلا فالحديث حجة عليهم فلعلهم لم يبلغهم قال النووي وقد نقل مثل ذلك عن مالك وهو مذهب مردود وكذا مذهب من أجاز بغير تقدير والله أعلم واستدل به على جواز لبس الثوب المطرز بالحرير وهو ما جعل عليه طراز حرير مركب وكذلك المطرف وهو ما سجفت أطرافه بسجف من حرير بالتقدير المذكور وقد يكون التطريز في نفس الثوب بعد النسج وفيه احتمال ستأتي الإشارة إليه واستدل به أيضا على جواز لبس الثوب الذي يخالطه من الحرير مقدار العلم سواء كان ذلك القدر مجموعا أو مفرقا وهو قوي وسيأتي البحث في ذلك في باب القسي بعد بابين (قوله باب من مس الحرير من غير لبس ويروي فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) ذكر المزي في الأطراف أنه أراد بهذا التعليق ما أخرجه أبو داود والنسائي من رواية بقية عن الزبيدي بهذا الاسناد إلى أنس أنه رأى على أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم بردا سيراء كذا قال وليس هذا مراد البخاري والرؤية لا يقال لها مس وأيضا فلو كان هذا الحديث مراده لجزم به لأنه صحيح عنده على شرطه وقد أخرجه في باب الحرير للنساء من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي قريبا وإنما أراد البخاري ما رويناه في المعجم الكبير للطبراني وفي فوائد تمام من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي عن الزهري عن أنس قال أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلة من استبرق فجعل ناس يلمسونها بأيديهم ويتعجبون منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعجبكم هذه فوالله لمناديل سعد في الجنة أحسن منها قال الدارقطني في الافراد لم يروه عن الزبيدي الا عبد الله ابن سالم ومما يؤكد ما قلته أن البخاري لما أخرج في المناقب حديث البراء بن عازب في قصة سعد بن معاذ في هذا المعنى موصولا قال بعده رواه الزهري عن أنس ولما صدر بحديث الزهري عن أنس المعلق هنا عقبة بحديث البراء الموصول بعينه والله أعلم وقوله في حديث البراء فجعلنا نلمسه جزم في المحكم بأنه بضم الميم في المضارع وقوله مناديل سعد قيل خص المناديل بالذكر لكونها تمتهن فيكون ما فوقها أعلى منها بطريق الأولى قال ابن بطال النهي عن لبس الحرير ليس من أجل نجاسة عينه بل من أجل أنه ليس من لباس المتقين وعينه مع ذلك طاهرة فيجوز مسه وبيعه
(٢٤٥)