لان الأشياء كلها لا تأثير لها إلا بمقتضى إرادة الله تعالى وتقديره كما قال تعالى وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله فمن كان قوي اليقين فله أن يتابعه صلى الله عليه وسلم في فعله ولا يضره شئ ومن وجد في نفسه ضعفا فليتبع أمره في الفرار لئلا يدخل بفعله في إلقاء نفسه إلى التهلكة فالحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر وقد أباحت الحكمة الربانية الحذر منها فلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها وأما أصحاب الصدق واليقين فهم في ذلك بالخيار قال وفي الحديث أن الحكم للأكثر لان الغالب من الناس هو الضعف فجاء الامر بالفرار بحسب ذلك واستدل بالامر بالفرار من المجذوم لاثبات الخيار للزوجين في فسخ النكاح إذا وجده أحدهما بالآخر وهو قول جمهور العلماء وأجاب فيه من لم يقل بالفسخ بأنه لو أخذ بعمومه لثبت الفسخ إذا حدث الجذام ولا قائل به ورد بأن الخلاف ثابت بل هو الراجح عند الشافعية وقد تقدم في النكاح الالمام بشئ من هذا واختلف في أمة الأجذم هل يجوز لها أن تمنع نفسها من استمتاعه إذا أرادها واختلف العلماء في المجذومين إذا كثروا هل يمنعون من المساجد والمجامع وهل يتخذ لهم مكان منفرد عن الأصحاء ولم يختلفوا في النادر أنه لا يمنع ولا في شهود الجمعة (قوله باب المن شفاء للعين) كذا للأكثر وفي رواية الأصيلي شفاء من العين وعليها شرح ابن بطال ويأتي توجيهها وفي هذه الترجمة إشارة إلى ترجيح القول الصائر إلى أن المراد بالمن في حديث الباب الصنف المخصوص من المأكول لا المصدر الذي بمعنى الامتنان وإنما أطلق على المن شفاء لان الخبر ورد أن الكمأة منه وفيها شفاء فإذا ثبت الوصف للفرع كان ثبوته للأصل أولى (قوله عن عبد الملك) هو ابن عمير وصرح به أحمد في روايته عن محمد بن جعفر غندر وعمرو بن حريث هو المخزومي له صحبة (قوله سمعت سعيد بن زيد) أي ابن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة وعمر بن الخطاب بن نفيل ابن عم أبيه كذا قال عبد الملك بن عمير ومن تابعه وخالفهم عطاء بن السائب من رواية عبد الوارث عنه فقال عن عمرو بن حريث عن أبيه أخرجه مسدد في مسنده وابن السكن في الصحابة والدارقطني في الافراد وقال في العلل الصواب رواية عبد الملك وقال ابن السكن أظن عبد الوارث أخطأ فيه وقيل كان سعيد بن زيد تزوج أم عمرو بن حريث فكأنه قال حدثني أبي وأراد زوج أمه مجازا فظنه الراوي أباه حقيقة (قوله الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة مفتوحة قال الخطابي وفي العامة من لا يهمزه واحدة الكمء بفتح ثم سكون ثم همزة مثل تمرة وتمر وعكس ابن الأعرابي فقال الكمأة الجمع والكمء الواحد على غير قياس قال ولم يقع في كلامهم نظير هذا سوى خبأة وخبء وقيل الكمأة قد تطلق على الواحد وعلى الجمع وقد جمعوها على أكمؤ قال الشاعر * ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا * والعساقل بمهملتين وقاف ولام الشراب وكأنه أشار إلى أن الأكمؤ محل وجدانها الفلوات والكمأة نبات لا ورق لها ولا ساق توجد في الأرض من غير أن تزرع قيل سميت بذلك لاستتارها يقال كمأ الشهادة إذا كتمها ومادة الكمأة من جوهر أرضي بخارى يحتقن نحو سطح الأرض ببرد الشتاء وينميه مطر الربيع فيتولد ويندفع متجسدا ولذلك كان بعض العرب يسميها جدري الأرض تشبيها لها بالجدري مادة وصورة لان مادته رطوبة دموية تندفع غالبا عند الترعرع وفي ابتداء استيلاء الحرارة ونماء القوة ومشابهتها له في الصورة ظاهر وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(١٣٧)