الطاعون يأتي مرة بعد مرة والحمى تتكرر في كل حين فيتعادلان في الاجر ويتم المراد من عدم دخول الطاعون لبعض ما تقدم من الأسباب ويظهر لي جواب آخر بعد استحضار الحديث الذي أخرجه أحمد من رواية أبي عسيب بمهملتين آخره موحدة وزن عظيم رفعه أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام وهو أن الحكمة في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة كان في قلة من أصحابه عددا ومددا وكانت المدينة وبئة كما سبق من حديث عائشة ثم خير النبي صلى الله عليه وسلم في أمرين يحصل بكل منهما الاجر الجزيل فاختار الحمى حينئذ لقلة الموت بها غالبا بخلاف الطاعون ثم لما أحتاج إلى جهاد الكفار وأذن له في القتال كانت قضية استمرار الحمى بالمدينة أن تضعف أجساد الذين يحتاجون إلى التقوية لأجل الجهاد فدعا بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة فعادت المدينة أصح بلاد الله بعد أن كانت بخلاف ذلك ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله ومن فاته ذلك حصلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار ثم استمر ذلك بالمدينة تمييزا لها عن غيرها لتحقق إجابة دعوته وظهور هذه المعجزة العظيمة بتصديق خبره هذه المدة المتطاولة والله أعلم * (تنبيه) * سيأتي في ذكر الدجال في أواخر كتاب الفتن حديث أنس وفيه فيجد الملائكة يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله تعالى وأنه اختلف في هذا الاستثناء فقيل هو للتبرك فيشملهما وقيل هو للتعليق وأنه يختص بالطاعون وأن مقتضاه جواز دخول الطاعون المدينة ووقع في بعض طرق حديث أبي هريرة المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة عن شريح عن فليح عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ورجاله رجال الصحيح وعلى هذا فالذي نقل أنه وجد في سنة تسع وأربعين وسبعمائة منه ليس كما ظن من نقل ذلك أو يجاب إن تحقق ذلك بجواب القرطبي المتقدم * الحديث الرابع (قوله عبد الواحد) هو ابن زياد وعاصم هو ابن سليمان الأحول والاسناد كله بصريون (قوله قالت قال لي أنس) ليس لحفصة بنت سيرين عن أنس في البخاري إلا هذا الحديث (قوله يحيى بم مات) أي بأي شئ مات ووقع في رواية بما مات باشباع الميم وهو للأصيلي وهي ما الاستفهامية لكن اشتهر حذف الألف منها إذا دخل عليها حرف جر ويحيى المذكور هو ابن سيرين أخو حفصة ووقع في رواية مسلم يحيى ابن أبي عمرة وهو ابن سيرين لأنها كنية سيرين وكانت وفاة يحيى في حدود التسعين من الهجرة على ما يورد من هذا الحديث لكن أخرج البخاري في التاريخ الأوسط من طريق حماد عن يحيى بن عتيق سمعت يحيى بن سيرين ومحمد بن سيرين يتذاكران الساعة التي في الجمعة نقله بعد موت أنس ابن مالك أرادا أن يحيى بن سيرين مات بعد أنس بن مالك فيكون حديث حفصة خطأ انتهى وتخريجه لحديث حفصة في الصحيح يقتضي أنه ظهر له أن حديث يحيى بن عتيق خطأ وقد قال في التاريخ الصغير حديث يحيى بن عتيق عن حفصة خطأ فإذا جوز عليه الخطأ في حديثه عن حفصة جاز تجويزه عليه في قوله يحيى بن سيرين فلعله كان أنس بن سيرين والله أعلم (قوله الطاعون شهادة لكل مسلم) أي يقع به هكذا جاء مطلقا في حديث أنس وسيأتي مقيدا بثلاثة قيود في حديث عائشة الذي في الباب بعده وكأن هذا هو السر في إيرداه عقبة * الحديث الخامس حديث
(١٦٢)