بمعناه ورواية سالم هذه منقطعة لأنه لم يدرك القصة ولا جده عمر ولا عبد الرحمن بن عوف وقد رواه ابن أبي ذئب عن بن شهاب عن سالم فقال عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عبد الرحمن أخبر عمر وهو في طريق الشام لما بلغه أن بها الطاعون فذكر الحديث أخرجه الطبراني فإن كان محفوظا فيكون ابن شهاب سمع أصل الحديث من عبد الله بن عامر وبعضه من سالم عنه واختصر مالك الواسطة بين سالم وعبد الرحمن والله أعلم وليس مراد سالم بهذا الحصر نفى سبب رجوع عمر أنه كان عن رأيه الذي وافق عليه مشيخة قريش من رجوعه بالناس وإنما مراده أنه لما سمع الخبر رجح عنده ما كان عزم عليه من الرجوع وذلك أنه قال أني مصبح على ظهر فبات على ذلك ولم يشرع في الرجوع حتى جاء عبد الرحمن بن عوف فحدث بالحديث المرفوع فوافق رأي عمر الذي رآه فحضر سالم سبب رجوعه في الحديث لأنه السبب الأقوى ولم يرد نفي السبب الأول وهو اجتهاد عمر فكأنه يقول لولا وجود النص لأمكن إذا أصبح أن يتردد في ذلك أو يرجع عن رأيه فلما سمع الخبر استمر على عزمه الأول ولولا الخبر لما استمر فالحاصل أن عمر أراد بالرجوع ترك الالقاء إلى التهلكة فهو كمن أراد الدخول إلى دار فرأى بها مثلا حريقا تعذر طفؤه فعدل عن دخولها لئلا يصيبه فعدل عمر لذلك فلما بلغه الخبر جاء موافقا لرأيه فأعجبه فلأجل ذلك قال من قال إنما رجع لأجل الحديث لا لما اقتضاه نظره فقط وقد أخرجه الطحاوي بسند صحيح عن أنس أن عمر أتى الشام فاستقبله أبو طلحة وأبو عبيدة فقالا يا أمير المؤمنين إن معك وجوه الصحابة وخيارهم وإنا تركنا من بعدنا مثل حريق النار فارجع العام فرجع وهذا في الظاهر يعارض حديث الباب فإن فيه الجزم بأن أبا عبيدة أنكر الرجوع ويمكن الجمع بأن أبا عبيدة أشار أولا بالرجوع ثم غلب عليه مقام التوكل لما رأى أكثر المهاجرين والأنصار جنحوا إليه فرجع عن رأي الرجوع وناظر عمر في ذلك فاستظهر عليه عمر بالحجة فتبعه ثم جاء عبد الرحمن بن عوف بالنص فارتفع الاشكال وفي هذا الحديث جواز رجوع من أراد دخول بلدة فعلم أن بها الطاعون وأن ذلك ليس من الطيرة وإنما هي من منع الالقاء إلى التهلكة أو سد الذريعة لئلا يعتقد من يدخل إلى الأرض التي وقع بها أن لو دخلها وطعن العدوي المنهي عنها كما سأذكره وقد زعم قوم أن النهي عن ذلك إنما هو للتنزيه وأنه يجوز الاقدام عليه لمن قوي توكله وصح يقينه وتمسكوا بما جاء عن عمر أنه ندم على رجوعه من سرغ كما أخرجه ابن أبي شيبة بسند جيد من رواية بن رويم عن القاسم بن محمد عن ابن عمر قال جئت عمر حين قدم فوجدته قائلا في خبائه فانتظرته في ظل الخباء فسمعته يقول حين تضور اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ وأخرجه إسحق بن راهويه في مسنده أيضا وأجاب القرطبي في المفهم بأنه لا يصح عن عمر قال وكيف يندم على فعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ويرجع عنه ويستغفر منه وأجيب بأن سنده قوي والاخبار القوية لا ترد بمثل هذا مع إمكان الجمع فيحتمل أن يكون كما حكاه البغوي في شرح السنة عن قوم أنهم حملوا النهي على التنزيه وأن القدوم عليه جائز لمن غلب عليه التوكل والانصراف عنه رخصة ويحتمل وهو أقوى أن يكون سبب ندمه أنه خرج لأمر مهم من أمور المسلمين فلما وصل إلى قرب البلد المقصود رجع مع أنه كان يمكنه أن يقيم بالقرب من البلد المقصود إلى أن يرتفع الطاعون فيدخل إليها ويقضي حاجة المسلمين ويؤيد ذلك أن الطاعون ارتفع عنها عن قرب فلعله كان بلغه ذلك فندم على رجوعه إلى المدينة لا على
(١٥٧)