يتعصبون على الأحاديث الصحيحة إذا تضمنت فضيلة لعلي أو لغيره من أهل بيت النبوة، فيردونها بكل شدة، ويسقطونها بكل عنف، وينسبون رواتها إلى الرفض - والرفض أخبث شئ عندهم - هذه سيرتهم في السنن الواردة في علي ( 702)، ولا سيما إذا تشبث الشيعة بها، وكان لأولئك المتزلفين من يرفع ذكرهم من الخاصة في كل قطر، ولهم من يروج رأيهم من طلبة العلم الدنيويين، ومن المرائين بالزهد والعبادة، ومن الزعماء وشيوخ العشائر، فإذا سمع هؤلاء ما يقولون في رد تلك الأحاديث الصيحة اتخذوا قولهم حجة، وروجوه عند العامة والهمج، وأشاعوه وأذاعوه في كل مصر، وجعلوه أصلا من الأصول المتبعة في كل عصر.
وهناك قوم آخرون من حملة الحديث في تلك الأيام، اضطرهم الخوف إلى ترك التحديث بالمأثور من فضل علي وأهل البيت، وكان هؤلاء المساكين إذا سئلوا عما يقوله أولئك المتزلفون في رد السنن الصحيحة المشتملة على فضل علي وأهل البيت يخافون - من مبادهة العامة بغير ما عندهم - أن تقع فتنة عمياء بكماء صماء، فكانوا يضطرون في الجواب إلى اللواذ بالمعاريض من القول، خوفا من تألب أولئك المتزلفين، ومروجيهم من الخاصة، وتألب من ينعق معهم من العامة ورعاع الناس، وكان الملوك والولاة أمروا الناس بلعن أمير المؤمنين، وضيقوا عليهم في ذلك، وحملوهم بالنقود، وبالجنود، وبالوعيد والوعود، على تنقيصه وذمه، وصوروه للناشئة في كتاتيبها بصورة تشمئز منها النفوس، وحدثوها عنه بما تستك منها المسامع، وجعلوا لعنه على منابر المسلمين من سنن العيدين والجمعة (703 )، فلولا أن نور الله لا يطفأ، وفضل أوليائه لا يخفى، ما وصلت إلينا السنن من طريق الفريقين صحيحة صريحة بخلافته، ولا تواترت النصوص بفضله، وإني والله لأعجب من الفضل الباهر الذي اختص به عبده وأخا رسوله، علي بن أبي طالب، كيف خرق نوره الحجب من تلك الظلمات المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، فأشرق على العالم كالشمس في رائعة النهار.