بمراتبهم التي رتبهم الله فيها، يسومون من يتهمونه بحبهم سوء العذاب، يحلقون لحيته، ويطوفون به في الأسواق، ثم يرذلونه ويسقطونه، ويحرمونه من كل حق، حتى ييأس من عدل الولاة (1) (699)، ويقنط من معاشرة الرعية، فإذا ذكر عليا ذاكر بخير برئت منه الذمة وحلت بساحته النقمة، فتستصفى أمواله، وتضرب عنقه، وكم استلوا ألسنة نطقت بفضله، وسملوا أعينا رمقته باحترام، وقطعوا أيديا أشارت إليه بمنقبة، ونشروا أرجلا سعت نحوه بعاطفة، وكم حرقوا على أوليائه بيوتهم، واجتثوا نخيلهم، ثم صلبوهم على جذوعها، أو شردوهم عن عقر ديارهم، فكانوا طرائق قددا (700) وكان في حملة الحديث وحفظة الآثار، قوم يعبدون أولئك الملوك الجبابرة وولاتهم من دون الله عز وجل، ويتزلفون إليهم بكل ما لديهم من تصحيف، وتحريف، وتصحيح وتضعيف (701)، كالذين نراهم في زماننا هذا من شيوخ التزلف، وعلماء الوظائف، وقضاة السوء، يتسابقون إلى مرضاة الحكام، بتأييد سياستهم عادلة كانت أو جائرة، وتصحيح أحكامهم، صحيحة كانت أو فاسدة، فلا يسألهم الحاكم فتوى تؤيد حكمه، أو تقمع خصمه، إلا بادروا إليها على ما تقتضيه رغبته، وتستوجبه سياسته، وإن خالفوا نصوص الكتاب والسنة، وخرقوا إجماع الأمة، حرصا على منصب يخافون العزل عنه، أو يطمعون في الوصول إليه، وشتان بين هؤلاء وأولئك، فإنه لا قيمة لهؤلاء عند حكوماتهم، أما أولئك فقد كانت حاجة الملوك إليهم عظيمة، إذ كانوا يحاربون الله ورسوله بهم، ولذا كانوا عند الملوك والولاة أولي منزلة سامية، وشفاعة مقبولة فكانت لهم بسبب ذلك صولة ودولة، وكانوا
(٢٩٦)