والخلق النبوي، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف، كان على خير ونعمة، وكان الناس منه في أمان ورحمة، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه، أو يبثه ذات نفسه.
كذلك كان علم مصر وإمامها، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكرا لا انقضاء له ولا حد.
شكوت إليه وجدي، وشكأ إلي مثل ذلك وجدا وضيقا، وكانت ساعة موفقة أوحت إلينا التفكير فيما يجمع الله به الكلمة، ويلم به شعث الأمة، فكان مما اتفقنا عليه أن الطائفتين - الشيعة والسنة - مسلمون يدينون حقا بدين الاسلام الحنيف، فهم فيما جاء الرسول به سواء، ولا اختلاف بينهم في أصل أساسي يفسد التلبس بالمبدأ الاسلامي الشريف، ولا نزاع بينهم إلا ما يكون بين المجتهدين في بعض الأحكام لاختلافهم فيما يستنبطونه من الكتاب أو السنة، أو الاجماع أو الدليل الرابع، وذلك لا يقضي بهذه الشقة السحيقة، ولا بتجشم هذه المهاوي العميقة، إذن أي داع أثار هذه الخصومة المتطاير شررها منذ كان هذان الاسمان - سنة وشيعة - إلى آخر الدوران.
ونحن لو محصنا التاريخ الاسلامي، وتبينا ما نشأ فيه من عقائد وآراء ونظريات، لعرفنا أن السبب الموجب لهذا الاختلاف إنما هو ثورة لعقيدة، ودفاع عن نظرية أو تحزب لرأي، وإن أعظم خلاف وقع بين الأمة، اختلافهم في الإمامة فإنه ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة، فأمر الإمامة إذن من أكبر الأسباب المباشرة لهذا الاختلاف، وقد طبعت الأجيال المختلفة في الإمامة على حب هذه العصبية، وألفت هذه الحزبية، بدون تدبر وبدون روية ولو أن كلا من الطائفتين نظرت في بينات الأخرى نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم،