لكن مشهد هؤلاء الأخوة المتصلين بمبدأ واحد، وعقيدة واحدة، كان - وا أسفاه - مشهد خصومة عنيفة، تغلو في الجدال، غلو الجهال، حتى كأن التجالد في مناهج البحث العلمي من آداب المناظرة، أو أنه من قواطع الأدلة! ذلك ما يثير الحفيظة، ويدعو إلى التفكير، وذلك ما يبعث الهم والغم والأسف فما الحيلة؟ وكيف العمل؟ هذه ظروف ملمة في مئين من السنين، وهذه مصائب محدقة بنا من الإمام والوراء، وعن الشمال وعن اليمين، وذاك قلم يلتوي به العقم أحيانا، وتجور به الأطماع أحيانا أخرى، وتدور به الحزبية تارة، وتسخره العاطفة تارة أخرى، وبين هذا وذاك ما يوجب الإرتباك فما العمل؟ وكيف الحيلة؟
ضقت ذرعا بهذا، وامتلأت بحمله هما، فهبطت مصر أواخر سنة 1329 مؤملا في " نيله " نيل الأمنية التي أنشدها وكنت ألهمت أني موفق لبعض ما أريد ومتصل بالذي أداور معه الرأي، وأتداول معه النصيحة، فيسدد الله بأيدينا من " الكنانة " سهما نصيب به الغرض، ونعالج هذا الداء الملح على شمل المسلمين بالتمزيق، وعلى جماعتهم بالتفريق، وقد كان - والحمد الله - الذي أملت، فإن مصر بلد ينبت العلم، فينمو به على الاخلاص والاذعان للحقيقة الثابتة بقوة الدليل وتلك ميزة لمصر فوق مميزاتها التي استقلت بها.
وهناك على نعمى الحال، ورخاء البال، وابتهاج النفس، جمعني الحظ السعيد بعلم من أعلامها المبرزين، بعقل واسع، وخلق وادع، وفؤاد حي، وعلم عيلم ومنزل رفيع، يتبوأه بزعامته الدينية، بحق وأهلية.
وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الروح النقي، والقول الرضي،