انقطعت مدتك وجاءت منيتك فجذب الروح من جسدي وليس من جذبة يجذبها إلا وهي تقوم مقام كل شدة، حتى صارت الروح في صدري فأشار إلي بجذبة لو أشارها إلى الجبال لذابت، فقبض روحي من عرنين أنفي فعلا من أهلي الصراخ والبكاء، وظهر خبري إلى الجيران والأحباء، وليس من شئ يقال ويفعل إلا وأنا عالم به.
فلما اشتد صراخ القوم علي التفت ملك الموت إليهم بغيظ وقنوط، وقال: مم بكاؤكم؟ فوالله ما ظلمناه فتصيحوا، ولا اعتدينا عليه فتبكوا، لقد انقطعت مدته، وفنى رزقه، وصار إلى ربه الكريم نحن وأنتم عبيد رب واحد، يحكم فينا ما يشاء، وهو على كل شئ قدير، فان صبرتم اجرتم، وان جزعتم أئمتم، كم لي من رجعة إليكم، آخذ البنين والبنات والآباء والأمهات ثم انصرف عني والروح فوق رأسي تنظر إلي حتى جاء الغاسل وجردني من أثوابي وأخذ تغسيلي، فنادته الروح يا عبد الله رفقا بالبدن الضعيف، فوالله ما خرجت من عرق إلا انقطع، ولا عضو إلا انصدع فوالله لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل ميتا ابدا. فلما فرغوا حملوني على السرير، والروح أمامي حتى وضعوني على شفير القبر، فلما أنزلوني في قبري عاينت هولا عظيما.
يا سلمان لقد تمثل لي اني سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي ثم شرج علي اللبن وحثي التراث علي، ورجع المشيعون، فعند ذلك أخذت بالندم، وقلت يا ليتني كنت من الراجعين لان أعمل صالحا. فجاوبني مجيب من جانب القبر (كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) فقلت له: من أنت يا هذا؟ قال: أنا ملك وكلني الله عز وجل بجميع خلقه لأنبئهم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بأيديهم.
ثم جذبني وأجلسني ورجعت الروح إلى جسدي، وقال: اكتب عملك. فقلت:
انا لا أحصيها فقال لي: اما سمعت قول ربك: أحصاه الله ونسوه اكتب فانا أملي عليك. فقلت: أين البياض؟ فجذب جانبا من كفني فقال: هذه صحيفتك. فقلت: من أين القلم؟ قال: سبابتك. فقلت أين المداد؟ قال: ريقك. ثم أملى علي ما فعلته في دار الدنيا فلم تبق من أعمالي صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. ثم إنه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوقه في عنقي فخيل لي أن جبال الدنيا جميعا قد طوقوها في عنقي فقلت: تفعل هذا بي؟ قال: ألم تسمع قو ربك:
(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ