كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ثم انصرف عني فأتاني نكير ان بأعظم منظر وأوحش صورة بأيديهما عمودان من الحديد لو اجتمع عليهما أهل الثقلين ما حركوهما من ثقلهما فروعاني وأزعجاني وهدداني، وقبضا بلحيتي وأجلساني، وصاحا علي صيحة لو سمعها أهل الأرض لماتوا جميعا، وكان من شأنهما ما كان.
فراقب الله أيها السائل من وقفة المسائل، وخف من هول المطلع وما قد ذكرته لك، هذا ما لقيته وأنا من الصالحين. ثم انقطع كلامه فعند ذلك رمق سلمان بطرفه إلى السماء وبكى، وقال: (يا من بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون) وهو يجير ولا يجار عليه. بك آمنت. ولنبيك اتبعت. وبكتابك صدقت. وقد أتاني ما وعدتني. يا من لا يخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك. وأنزلني دار كرامتك. فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك. وإن محمدا عبده ورسوله. فلما أكمل شهادته قضى نحبه ولقي ربه. وذلك سنة سبع وثلاثين. وعاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة.
قال الأصبغ بن نباتة: فبينما نحن كذلك إذ أتى رجل على بغلة شهباء متلثما فسلم علينا فرددنا السلام عليه فقال: يا أصبغ جدوا في امره وأتيناه بماء. وكان معه حنوط وكفن، فلم يزل يغسله بيده فلما فرغ حنطه وكفنه بيده وصلى عليه وصلينا معه ثم وضعه في حفرته بيده فلما فرغ من دفنه وهم بالانصراف تعلقنا به وقلنا له من أنت فكشف لنا عن وجهه فسطع النور من ثناياه كالبرق الخاطف فإذا هو أمير المؤمنين (ع) فقلت له:
يا أمير المؤمنين: كيف كان مجيئك ومن أعلمك بموت سلمان؟ قال: آخذ عليك عهد الله وميثاقه أنك لا تحدث بهذا أحدا ما دمت حيا، فقلت يا أبا الحسن: أتموت وأنا حي؟
قال: نعم قلت. خذا ما تريد من العهد والميثاق فاني لا أحدث أحدا بهذا قبل موتك قال يا أصبغ هذا عهد من رسول الله وانا صليت هذه الساعة بالمدينة وخرجت أريد المنزل فلما وصلت منزلي ودخلت واضطجعت إذا اتاني آت في منامي، وقال لي يا علي إن سلمان قد قضى نحبه فركبت بغلتي وأخذت ما يصلح للموتى فجعلت أسير وقرب الله لي البعيد حتى وصلت كما ترى، فلما تم كلامه غاب عنهم فلم يدروا إلى السماء صعد، أم إلى الأرض نزل فأتى المدينة والمنادي ينادي لصلاة المغرب فحضر علي عندهم في المسجد.
وعن زاذان خادم سلمان قال: جاء أمير المؤمنين (ع) ليغسل سلمان فرفع الشملة عن وجهه فتبسم سلمان وهم أن يقعد فقال أمير المؤمنين (ع): عد إلى موتك فعاد، أقول: