استولى على مكة واليمن وقد بويع له كثير من الأمصار وقد خلا ببعض أصحابه وقال له:
ويحك إن محمدا قد ظهر فماذا ترى؟ فقال له وأين ظهر؟ قال: بالمدينة قال: له غلبت ورب الكعبة لأنه خرج بحيث لا مال ولا رجال ولا زرع ولا ضرع، فعاجله بالحرب فأرسل المنصور إليه ابن أخيه عيسى بن موسى في جيش كثيف فحاربهم محمد خارج المدينة وتفرق أصحاب محمد عنه حتى بقي وحده، فلما أحس الخذلان دخل داره وأمر بالتنور فسجر، ثم عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه فألقاه في التنور فأحترق ثم خرج فقاتل حتى قتل.
وكان قتل محمد يوم الاثنين لأربع عشرة خلت من شهر رمضان سنة 145 ودفن بالبقيع، وإنه خرج غضبا لله وبعث عيسى برأسه إلى المنصور واللعين بعث الرأس إلى أبيه عبد الله المحض وسائر أقاربه في الحبس ولما رأى عبد الله رأس ولده قال: يرحمك الله لقد قتلوك صواما قواما وأنشد يقول:
فتى كان يدنيه من السيف دينه * ويكفيه سوءات الأمور اجتنابها ولا أعلم هذا أصعب بأن يرى الولد رأس ولده أم ير الولد رأس والده ساعد الله قلبيهما كلاهما صعب، نظر علي بن الحسين إلى رأس والده الخ، ولما برأ إبراهيم من مرضه وكان بالبصرة وهو على المنبر يخطب إذ بلغه قتل أخيه محمد وقال:
سأبكيك بالبيض الصفاح وبالقنا * فإن بها ما يدرك الطالب الوترا ولست كمن يبكي أخاه بعبرة * يعصرها من ماء مقلته عصرا ولكن أروي النفس مني بغارة * تلهب في قصري كتاتيبها جمرا وإنا أناس لا تفيض دموعنا * على هالك منا وان قصم الظهرا وكان إبراهيم يكنى أبا الحسن، وهو من كبار العلماء في فنون كثيرة، وكان قد تلقب بأمير المؤمنين وعظم شأنه وأحب الناس ولايته وارتضوا سيرته، وكان شديد القوة بحيث يأخذ بذنب البعير فلا يقدر على الحركة، فيحكى إنه كان واقفا مع أخيه محمد وأبيه عبد الله المحض معهما إبل لهم تورد، وفيها ناقة شرود لا تملك فأقبلت مع الإبل ترد فقال محمد لإبراهيم وهو ملتف في شملة أن رددتها فلك كذا وكذا، فوثب إبراهيم فقبض على ذنبها فشردت وتبعها إبراهيم ممسكا بذنبها حتى غابا عن أعينهم فقال عبد الله لابنه محمد: بئس ما صنعت عرضت أخاك للتلف فما كانت ساعة أقبل إبراهيم ملتفا بشملته