الحديث عن عبد الله بن العباس أنه قال: عقمت النساء أن يأتين بمثل علي بن أبي طالب - عليه السلام -، فوالله ما سمعت وما رأيت رئيسا يوازن به، والله لقد رأيته بصفين وعلى رأسه عمامة بيضاء، وكأن عينيه سراج سليط أو عينا أرقم، وهو يقف على شرذمة من أصحابه يحثهم على القتال، إلى أن انتهى إلي وأنا في كنف من الناس، وقد خرج خيل لمعاوية المعروفة بالكتيبة الشهباء عشرون ألف دارع على عشرين ألف أشهب متسربلين الحديد، (متراصين) (1) كأنهم صفيحة واحدة ما يرى منهم إلا الحدق تحت المغافر، فاقشعر أهل العراق لما عاينوا ذلك.
فلما رأي أمير المؤمنين - عليه السلام - هذه الحالة منهم، قال: مالكم يا أهل العراق إن هي إلا جثث مائلة، فيها قلوب طائرة، ورجل جراد دفت بها ريح عاصف، وشداة الشيطان ألجمتهم والضلالة، وصرخ بهم ناعق البدعة ففتنهم، ما هم إلا جنود البغاة وقحقحة المكاثرة، لو مستهم سيوف أهل الحق تهافتوا تهافت الفراش في النار، ولرأيتموهم كالجراد في يوم الريح العاصف.
ألا فاستشعروا الخشية، وتجلببوا السكينة، وادرعوا اللامة، وقلقوا الأسياف في الأغماد قبل السل، وانظروا الخزر، واطعنوا الشزر وتنافحوا (2) بالظبى، وصلوا السيوف بالخطا، والرماح بالنبل، وعادوا أنفسكم الكر، واستحيوا من الفر، (فإنكم بعين الله، ومع ابن عم رسول الله ووصيه) (3) فإنه عار باق في الاعقاب عند ذوي الأحساب، وفي الفرار النار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم نفسا، واطووا عن حياتكم (4) كشحا، وامشوا إلى الموت قدما (5)،