يكون اغترار أعظم من اختيار من يحكم على صاحب الشريعة حكما يزيد فيه عليه بغير نص باطلاق الاختيار على وجهه معتمد عليه وإنما قلت يزيد فيه عليه لأن الله تعالى قال لمحمد وان احكم بينهم بما انزل الله وما قال بما رأيت وهذا الذي يذكره عبد الجبار في الاختيار يحكم بما يرى فهو زيادة عما بلغ حال محمد (ص) إليه واما قول عبد الجبار انه يدل على لم يكن يعلم البواطن ولا الغيب بخلاف ما ارتكبه طائفة في الأمام والنبي.
أقول: إن هذا مما اتهم به بعض الشيعة الإمامية وهو كذب تلقاه أهل الخلاف ممن حكاه بغير حجة وبينة وإنما يقول بعض العلماء من شيعة أهل بيت النبوة ان الله تعالى عرف أنبيائه وخاصته ما كانوا يحتاجون إليه ان شاء أطلعهم عليه وان شاء ستره عنهم على ما يراه تعالى من المصالح بالعنايات وكيف يقول ذو بصيرة ان بشرا يعلم الباطن والغيب لذاته ويحل تصديق من يدعى هذا على أدنى مسلم سليم في عقله وعلومه وتصرفاته وقد شهد العقل والنقل والقرآن باطلاع كثير من الأنبياء والأوصياء والأولياء على كثير من مغيباته.
أقول: وكيف ادعى عبد الجبار ان هذه الآية تدل على أن الذي تعجب النبي (ص) قوله في الحياة الدنيا لا يفهم منه خلاف ظاهره وقد قال الله تعالى له (ص) عن منافقين ولتعرفنهم في لحن القول وليس كل من أعجب الانسان بعمومه قول يدل على أنه ما يعرف فساد قوله ومخالفته لباطنه وقد جرت العادات ان كثيرا من أهل العداوات يتوصل بعلمه أو فصاحته أو حيلته ويستحسن عدوه لفظه وهو يعلم باطنه وعداوته ويقال لعبد الجبار إذا كان الحال في الصحابة مع النبي ما ذكرت من الحكم بالظاهر فهلا كان كل حديث رويته في مدح من ظهر منه بعد وفاته خلاف ما كان في حياته تلك ان المدائح كانت مشروطة بالظاهر الذي كان يعامل أصحابها به وانها لم تبق حجة يدفع ما وقع منهم من ظاهر يخالف ما كانت حالهم عليه وان كل من كان مظهرا منهم الزهد في الدنيا وسعى بعد النبي (ص)