هذا القول عظيم لأنه يقتضى ان الأمم المختلفة المتفرقة والملل المتضادة وأصحاب العقايد المتفرقة كلهم مصيبون سالمون وهو وأهل عقيدته ما يرون ذلك وإنما لو قال اختلاف العقول في الحكم إذا علم المكلف انه مخير في الاخذ بأيهما شاء فيكون العمل على ما علم من تخير الله تعالى ولا يسمى مختلفا على الحقيقة بل كل من الحكمين يقوم مقام الأخر فهو إلى الوفاق والاتفاق أقرب من الاختلاف والافتراق.
أقول: فلو كان الاجتهاد في الشريعة المحمدية صحيحا ما كان الصحابة قد بلغوا بينهم حد القتل للنفوس والحروب واستحلال الدماء والرؤس وكان قد عذر بعضهم بعضا عند الاختلاف وما كانوا مفترقين ومعلوم عند أهل الأنصاف ان القوم ما عذروا من فارق جماعتهم ولو كان الجبائي صادقا فيما يقول فهو عذر علماء أهل البيت وعلماء شيعتهم على خلافهم.
فصل فيما نذكره من الجزء السادس من تفسير الجبائي من الوجهة الثانية من القائمة التاسعة وبعضه من العاشرة بمعناه لأجل طول لفظه من تفسير قوله تعالى {الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} فذكر أبو علي الجبائي ما معناه ان الكفار مضطرون يوم القيامة إلى الصدق ولا يقع منهم كذب ولا قبيح لأن المعارف تكون ضرورية والتكليف مرتفع وقال أيضا فيه ما لفظه إنما عنوا ما كنا مشركين عند أنفسنا في الدنيا وانهم في هذا القول صادقون إذا كان لا يجوز ان يكونوا فيها كاذبين في الآخرة فيقال له لو كان الأمر كما تأولت ما كان لقول الله تعالى انظر كيف كذبوا على أنفسهم على وجه التعجب من كذبهم معنى يطابق تكذيبهم والقرآن الشريف يتضمن خلاف ما قال أبو علي الجبائي في آيات غير هذه منها قوله تعالى عن أهل النار ولو ردوا لعادوا ألما نهوا عنه وانهم لكاذبون فوصفهم بالتكذيب في النار وقال جل جلاله {يحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون انهم على شئ الا انهم هم الكاذبون} وظاهر هذه الآية انهم يحلفون كذبا