وقال ابن قتيبة: وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية والفىء لا يكون إلا بعد الزوال فلا يقال لما قبل الزوال فىء وإنما سمى بعد الزوال فيئا لأنه ظل فاء عن جانب المغرب إلى جانب المشرق، والفىء الرجوع، وقال ابن السكيت: الظل من الطلوع إلى الزوال والفىء من الزوال إلى المغرب، وقال ثعلب الظل للشجرة وغيرها للغداة والفىء بالعشاء، وقال رؤبة بن العجاج كلما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو ظل وفيء وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ومن هنا قيل الشمس تنسخ الظل والفىء ينسخ الشمس.
(يا جابر فأحفظ ما إسترعاك الله عز وجل من دينه وحكمته) وهي العلم بالشرائع والمراد بحفظه حفظه عن الضياع والعمل وبه وتعليمه لمن هو أهل له.
(ولا تسألن عما لك عنده) من الحقوق مثل الرزق وغيره لأنه لا يترك ما للعبد عليه وما ورد من الحث على الدعاء لطلب لرزق فهو لكن الدعاء عبادة، أو للتوسعة، أو لغير ذلك مما يجيء تفصيله في كتاب الدعاء إن شاء الله تعالى.
(إلا ما له عند نفسك) من الطاعة والتسليم والزهد في الدنيا فإنك تحتاج إلى السؤال عنه وطلب المدد الإعانة والتوفيق منه تعالى والاستثناء من الموصول وظاهره الانقطاع لأن الحقين متغايران لا يصدق أحدهما على الآخر ويمكن إرجاعه إلى الاتصال لأن ماله عند نفسك فهو لك في الحقيقة وثمرته راجعة إليك لأنه أجل من أن يحتاج إلى شيء ويعود إليه فوائد من العباد والله أعلم.
(فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب) هذا من الغريب وحقيقته غير معلومة لنا، ولكن نقول على سبيل الاحتمال: لا ريب في اتصاف الدنيا بالأوصاف المذكورة والناس فيه ثلاثة أقسام لأن من إعتقد بإتصافها بها وجب عليه الزهد فيها عملا بمقتضى علمه ومن إعتقد بعدم اتصاف أو لم يعتقد بالاتصاف ولا بعدمه فليتحول إليها ليعلم شدائدها وإنقلابها على أهلها وإتصافها بما ذكر بالتجربة والامتحان والشرط المذكور شامل للأخيرين والمستعتب بالكسر من يطلب الرضا بإزالة ما عوتب عليه وخوطب بالسخط، وإنما قال «فتحول إلى دار المستعتب» ولم يقال فتحول إليها للإشعار بأن كل أهل الدنيا والمائل إليها مستعتب يوم القيمة ونادم على ما كان عليه وطالب للعفو والرضا ولكن لا ينفعه ذلك كما ورد «ما بعد الموت بعد مستعتب».
(فلعمري لرب حريص على أمر قد شقى به حين أتاه ولرب كاره لأمر قد سعد به حين أتاه) كما قال جل شأنه: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم» إذ ما من شيء إلا وله جهات متعددة فربما أحد حسن جهة فيطلبه وهو غافل عن قبح جهات آخر، أو