شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٣٨٤
صفا ضاقت به الأرض حتى يسمو.
* الشرح قوله: (لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا للحق أبواب لا يمكن الوصول إليه إلا بالدخول فيها منها الطاعات وترك المنهيات على أنواعهما ومنها الأخلاق الفاضلة ومنها ترك الأخلاق الباطلة والزهد في الدنيا أعظم هذه الأبواب لأنه مفتحا لجميعها ثم أشار إلى ضده على وجه يفيد أن الزهد يوجب محبة الحق وأنه عبارة عن تطهير القلب من الرغبة في الدنيا وميله إليها لا عن ترك الدنيا مع تعلق القلب بها فقال (وهو ضد لما طلب أعداء الحق) وقول السائل (مماذا) سؤال عما طلب أعداء الحق وقوله (عليه السلام) (من الرغبة فيها) بيان للموصول يعني أن ما طلبه أعداء الحق هو الرغبة في الدنيا والميل إليها وهي من أعظم البعد عن الحق والبغض له والمعاندة معه، والظاهر أن قوله (إلا من صبار كريم) أي خير شريف النفس استثناء من الرغبة فيها أي إلا أن يكون الرغبة فيها من صبار كريم يطلبها من طرق الحلال ويصبر عن الحرام، وإخراج الحقوق المالية وإعانة الفقراء وذوي الحاجات فإن الرغبة في هذه الدنيا من الصالحات ثم حث على الزهد والصبر عليه ونفر من الدنيا بقوله: (فإنما هي) أي الدنيا (أيام قلائل) وهي أيام العمر والعمر ينقضي حثيثا وينتهى سريعا إلى الآخرة والصبر على المشاق المنقضية سهل على النفوس العاقلة سيما إذا كان مستلزما للراحة الدايمة ثم أشار إلى بعض آثار الزهد وأشرف مقاماته بقوله (إذا تخلى المؤمن من الدنيا سيما - الخ) أي إذا تخلى المؤمن من الدنيا بأن قطع تعلقه بها وأخرج حبها عن قلبه ارتفع من حضيض النقص أي أوج الكمال ومن مقام الكثرة إلى ساحة القدس والجلال (ووجد) في قبله (حلاة وحب الله وكان عند أهل الدنيا) الراغبين فيها (كأنه قد خولط) واختل عقله، (وإنما خالط القوم) ودخل في قلوبهم (حلاوة حب الله فلم يشتغلو بغيره).
وفيه إشارة إلى أعلى درجات الزهد وهو أن يفرغ قلبه عن غير الله تعالى حتى الخوف من النار والطمع في الجنة لسكره بحلاوة المحبة والقرب منه فلا يرى لغيره وجودا فضلا عن أن يشتغل به وهو مقام الفناء في الله وإنما قلنا هذا أعلى درجات الزاهد لأن أدنى درجاته أن يترك الدنيا ويصبر على الترك مع الميل إليها. وأوسطها أن يترك الميل إيها أيضا وهو بعد في مقام الكثرة وإذا داوم عليه وصار ذلك ملكة له وطهر ظاهره وباطنه عن جميع المقابح لأن كلها ناشية من حب الدنيا يرتقى من هذا المقام إلى مقام التوحيد المطلق وعالم القدس فيتجلى فيه أنوار الحق وأسراره ويشاهد بنور البصيرة جماله وكماله وعظمته وقدرته فيستغرق في بحر محبته ويغفل عن نفسه فضلا عن غيره بذوق حلاوة حبه ويصير حينئذ أطواره وأوضاعه وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته
(٣٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب طينة المؤمن والكافر 3
2 باب آخر منه 15
3 باب آخر منه 21
4 باب 32
5 باب 35
6 باب 36
7 باب 42
8 باب 43
9 باب 44
10 باب 46
11 باب الإخلاص 49
12 باب الشرائع 57
13 باب دعائم الإسلام 61
14 باب 74
15 باب آخر منه 85
16 باب 87
17 باب 101
18 باب السبق إلى الإيمان 121
19 باب درجات الإيمان 130
20 باب آخر منه 135
21 باب نسبة الإسلام 138
22 باب خصال المؤمن 143
23 باب 151
24 باب صفة الإيمان 159
25 باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان 163
26 باب حقيقة الإيمان واليقين 168
27 باب التفكر 174
28 باب المكارم 178
29 باب فضل اليقين 186
30 باب الرضا بالقضاء 196
31 باب 206
32 باب حسن الظن بالله عز وجل 227
33 باب الطاعة والتقوى 235
34 باب العفة 251
35 باب اجتناب المحارم 253
36 باب أداء الفرائض 257
37 باب استواء العمل والمداومة عليه 259
38 باب العبادة 261
39 باب النية 265
40 باب 269
41 باب الإقتصاد في العبادة 271
42 باب 274
43 باب الصبر 277
44 باب الشكر 291
45 باب حسن الخلق 303
46 باب حسن البشر 312
47 باب الحياء 317
48 باب العفو 319
49 باب كظم الغيظ 323
50 باب الحلم 328
51 باب الصمت وحفظ اللسان 333
52 باب المداراة 343
53 باب الرفق 347
54 باب التواضع 354
55 باب 363
56 باب ذم الدنيا والزهد فيها 372
57 باب باب القناعة 407
58 باب الكفاف 412
59 باب تعجيل فعل الخير 415
60 باب الإنصاف والعدل 419
61 استدراك 428