شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٣٩٢
الدنيا؟ وما عسى أن تكون الدنيا هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟! يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها، ولم يأمنوا قدومهم الآخرة، يا جابر الآخرة دار قرار والدنيا دار فناء وزوال ولكن أهل الدنيا أهل غفلة وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة، كما فازا بذلك العلم، واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، تذكر فيعينونك وإن نسيت ذكروك، قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله، قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم ونظرا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم وعملوا أن ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه. فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم إرتحلت عنه، أو كمال وجدته في منا منك فأستيقظت وليس معك منه شيء، إني [إنما] ضربت لك هذا مثلا، لأنها عند أهل اللب والعلم بالله كفيء الظلال، يا جابر! فأحفظ ما إسترعاك الله عز وجل من دينه وحكمته ولا تسألن عما لك عنده إلا ما له عند نفسك، فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب، فلمعري لرب حريص على أمر قد شقى به حين أتاه ولرب كاره لأمر قد سعد به حين أتاه، وذلك قول الله عز وجل: (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)».
* الشرح قوله: (أنه من دخل قبله صافي خالص دين الله شعل قلبه عما سواه) لعل المراد بالخالص الإيمان الحقيقي واليقين بالله وإضافة والصافي إليه أما بيانية أو لامية بأن يراد بالصافي التقرب منه تعالى وحب لقائه ولقاء الآخرة، هذا وجه لشغل قلبه الشريف عما سواه، وأما وجه حزنه فلعله أن الإنسان وان طي مقامات السير ووصل إلى الحق وقرب منه لكنه ما دام في هذه الدار لا يخلو من بعد في الجملة، وإنما يحصل القرب التام والوصول الكامل بعد المفارقة منها فالعارف في هذا الدار دائما في شغل عما ذكر وحزن لفقد هذا الكمال الذي لا يتأتي إلا بالموت ولذلك قال علي (عليه السلام) حين ضرب: «فزت برب الكعبة» ثم أشار إلى ذم الدنيا وترك محبتها على وجه يشعر بتحقيرها بقوله:
(يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا هي إلا طعام اكلته، أو ثوب لبسته، أو امرأة أصبتها) للتنبيه على أن جل منافع الدنيا هذه الامور هي منصرمة منقضية لا بقاء لها.
والعاقل لا يجب ولا يركن إلى ما هو في معرض الفناء والزوال سريعا، ثم أشار إلى أن المؤمنين السابقين لم يركنوا إلى الدنيا ولم يطمئنوا ببقائهم فيها خوفا من أمر الآخرة وقدومهم إليها بقوله (يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة) بل تركوا الدنيا وخافوا
(٣٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب طينة المؤمن والكافر 3
2 باب آخر منه 15
3 باب آخر منه 21
4 باب 32
5 باب 35
6 باب 36
7 باب 42
8 باب 43
9 باب 44
10 باب 46
11 باب الإخلاص 49
12 باب الشرائع 57
13 باب دعائم الإسلام 61
14 باب 74
15 باب آخر منه 85
16 باب 87
17 باب 101
18 باب السبق إلى الإيمان 121
19 باب درجات الإيمان 130
20 باب آخر منه 135
21 باب نسبة الإسلام 138
22 باب خصال المؤمن 143
23 باب 151
24 باب صفة الإيمان 159
25 باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان 163
26 باب حقيقة الإيمان واليقين 168
27 باب التفكر 174
28 باب المكارم 178
29 باب فضل اليقين 186
30 باب الرضا بالقضاء 196
31 باب 206
32 باب حسن الظن بالله عز وجل 227
33 باب الطاعة والتقوى 235
34 باب العفة 251
35 باب اجتناب المحارم 253
36 باب أداء الفرائض 257
37 باب استواء العمل والمداومة عليه 259
38 باب العبادة 261
39 باب النية 265
40 باب 269
41 باب الإقتصاد في العبادة 271
42 باب 274
43 باب الصبر 277
44 باب الشكر 291
45 باب حسن الخلق 303
46 باب حسن البشر 312
47 باب الحياء 317
48 باب العفو 319
49 باب كظم الغيظ 323
50 باب الحلم 328
51 باب الصمت وحفظ اللسان 333
52 باب المداراة 343
53 باب الرفق 347
54 باب التواضع 354
55 باب 363
56 باب ذم الدنيا والزهد فيها 372
57 باب باب القناعة 407
58 باب الكفاف 412
59 باب تعجيل فعل الخير 415
60 باب الإنصاف والعدل 419
61 استدراك 428