عن قبح عاقبة تلك الجهة وربما يدرك قبح جهة فيكرهه وهو غافل عن حسن جهات آخر، أو عن حسن عاقبة تلك الجهة.
(وذلك قول الله عز وجل: «وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين») أي كون مكروه الدنيا سعادة ومرغوبها شقاوة أو حصول السعادة بالمكروهات وحصول الشقاوة بالمرغوبات مضمون هذا القول الكريم، فإن تمحيص المؤمن إنما بكون بورود مكاره النفوس وما يثقل عليها ليخرج من بوتقة الامتحان خالصا صافيا سعيدا وترك التمحيص في الحريص يوجب محقه وفساده وإمتداده في الغي والطغيان فالتمحيص في المؤمن لطف وإحسان وتركه في الحريص محق وخذلان.
* الأصل 17 - عنه، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: قال أبوذر رحمه الله جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير أتغذي بأحدهما وأتعشي بالاخر وبعد شملتي الصوف أتزر بإحديهما وأتردى بالأخرى.
* الشرح قوله: (قال أبو ذر (رضي الله عنه) جزى الله الدنيا عنى مذمة بعد رغيفين من الشعير) أشار إلى أن غير ما ذكره من الدنيا عنده مذموم وأحال ذمه إلى الله تعالى نيابة عند للدلالة على كمال ذمه لأن كل فعل من الفاعل القوى قوي بالغ حد الكمال، وأما ما ذكره فغير مذموم لأن كل شخص يحتاج في بقائه الغذاء واللباس ليكون بدلا عما يتحلل ويحفظه عن الحر والبرد وما بذكره وارتضاه لنفسه هو أقل المراتب منها وبالجملة حث به على ترك الدنيا إلا الضرورة منها.
* الأصل 18 - وعنه، عن علي بن الحكم، عن المثني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبوذر (رضي الله عنه) يقول في خطبته: يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا ما ينفع خيره ويضر شره إلا من رحم الله، يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم، والدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين الموت والبعث إلا كنومة نمتها ثم إستيقظت منها، يا مبتغي العلم، قدم لمقامك بين يدي الله عز وجل، فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم.
* الشرح قوله: (يا مبتغي العلم كان شيئا من الدنيا لم يكن شيئا) خاطب طالب العلم وعمه ما هو خير له