بعنايتهم ينتظم ويقوم وبحمايتهم يستقيم ويدوم (قطعوا محبتهم بمحبة ربهم) أي قطعوا محبتهم عن جميع الأشياء واختاروا محبة ربهم، أو تركوا ما يحبونه وعملوا بما يحبه ربهم.
(ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم) أي إنقطعوا عن الدنيا وفروا منها ولم يستأنسوا بها لأن يطيعوا مالكهم فيما أراد منهم من ترك الدنيا أو الأعم منه ومن ترك جميع الشرور وفعل جميع الخيرات بقلب فارغ عن غيره (ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم) بقلوبهم متعلق بنظروا وإنما أخرها مع أن النظر مسند إليها في الحقيقة أما للاهتمام بالمقدم أو لقصد الحصر أي نظروا ببصيرة قلوبهم إلى الله وإلى محبته لا إلى غيرهما والأخير أنسب بقوله (وعلموا أن ذلك) أي ذلك المذكور وهو الله ومحبته والإشارة للتعظيم.
(هو المنظور إليه لعظيم شأنه) أي هو الذي ينبغي أن ينظر إليه لا إلى غيره لعظمته شأنه وحقارة ما سواه، ثم خاطب جابرا وكل من يصلح للخطاب وزهده في الدنيا بتمثيل بليغ بقبح حال الدنيا وصاحبها فقال (فأنزل الدنيا كمنزل نزلته) في سفرك (ثم إرتحلت عنه، أو كما وجدته في منامك) مثل مال وجاه وامرأة جميلة.
(فأستيقظت وليس معك منه شيء) شبه الدنيا بذلك المنزل في قلة زمان الكون فيه وشبه متاعها بذلك الكمال (1) بالموت الشبيه بالإستيقاظ فلا يكون معك منه شيء كما لا يكون مع المستيقظ من ذلك الكمال شيء. ويظهر منه سر قوله أمير المؤمنين (عليه السلام) (الناس نيام فإذا ماتوا إنتبهوا) والعاقل اللبيب إذا نظر إلى الدنيا بعين البصيرة ووجدها متصفة بالصفات المذكورة زال عنه حبها. قال الشاعر موافقا لهذا التمثيل:
نزلنا ههنا ثم إرتحلنا * كذا الدنيا نزول وارتحال أردنا أن نقيم بها ولكن * مقام المرء في الدنيا محال وقال بعض أكابر الشيعة: «والله لو كانت الدنيا بأجمعها تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا ما كان من حق حر أن يذل لها فكيف وهي متاع يضمحل غدا» ثم أشار إلى التمثيل آخر أبلغ وأظهر بقوله ( إني إنما ضربت لك هذا مثلا لأنها عن أهل اللب والعلم بالله كفىء الظلال) في سرعة الزوال، أو في أ نه ليس بشيء حقيقة، أو في الإستظلال به قليلا ثم الارتحال عنه، أو في أنه يرى ساكنا وهو يزول بالتدريج آنا فآنا والدنيا كذلك «والظلال» جمع الظل وهو والفىء بمعنى واحد عند كثير من الناس،