الدنيا للاشتغال بالعمل للآخرة وإنما قلنا مع قلب حاضر لأن أكثر أهل الدنيا يذكرون الموت ويمشون خلق الجنائز ويشاهدون مسكن الموتى ولا تتأثر قلوبهم لاشتغالها بأمر الدنيا وتكدرها بفكر زهراتها حتى صارت مظلمة لا يستقر فيها الحق وحقيقة الموت وما بعده وهكذا حال جميع العبادات فإنها ما لم تقترن بحضور القلب لا يحصل منها الأثر المقصود وهو قرب الحق ومشاهدة جلاله والوصول إلى حقيقة كمال الإنسان.
* الأصل 14 - عنه، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (صلى الله عليه وآله وسلم): ملك ينادي كل يوم: ابن آدم! لد للموت، واجمع للفناء، وابن للخراب.
* الشرح قوله: (قال أبو جعفر (عليه السلام) ملك ينادي كل يوم ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب) في نهج البلاغة قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «أن لله ملكا ينادى في كل يوم لدوا للموت واجمعوا للفنا وابنوا للخراب» قال شارحه ليس اللام فيها للغرض وإنما هي للعاقبة نحو قوله تعالى (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا».
* الأصل 15 - عنه، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد إرتحلت مقبلة ولك واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا [ألا] وكونوا من الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، ألا إن الزاهدين في الدنيا إتخذوا الأرض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا وقرضوا من الدنيا تقريضا، ألا ومن إشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، حوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم وهم يجأرون إلى ربهم، يسمعون في فكاك رقابهم. وأما النهار فحلماء، علماء، بررة، أتقياء، كأنهم القداح قد براهم الخوف من العبادة ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى - وما بالقوم من مرض - أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم، من ذكر النار وما فيها.
* الشرح قوله: (قال علي بن الحسين (عليهما السلام): إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة) رحل عن البلد وارتحل شخص