خطيئة تابعة لحب الدنيا منبعثة منها لأن الدنيا طريق الهوى وسبيل المنى إلى الشهوات الحاضرة الخيالية واللذات العاجلة الاعتبارية التي منها الكبر والحرص والحسد وحب النساء وغيرها من الخصال المذكورة وغير المذكورة من متعلقات الهوى والمعنى رسما وعادة، وهذه الامور لا تتحصل إلا باستعمال القوة الشهوية الجالبة والقوة الغضبية الدافعة للموانع منها ويتولد منهما مفاسد كثيرة غيرة محصورة ومن ههنا علم أن كل خطيئة تنبعث من حب الدنيا وتتفاوت باعتبار التفاوت في حبها فمن ترك حبها صار خالصا لمولاه ومن أحبها صار عبدا لدنيا ثم أشار إلى أن الدنيا مطلقا ليس بمذمومة بقوله (والدنيا دنياءان دنيا بلاغ) وهو قدر الكفاف من طريق الحلال وهذا القدر لا بد لكل أحد حتى الأنبياء والأوصياء الذين غاية هممهم ترك الدنيا والتوجه إلى المولى وهو المعين للبقاء والعبادة (ودنيا ملعونة) وهي الزائدة عن قدر الحاجة أو الحاصلة من طريق الحرام أو الداعية للنفس إلى الطغيان والقلب إلى العصيان وأهلها إلى الخذلان وتعلق اللعن بها باعتبار بأهلها أو باعتبار أنها بعيدة عن الخير.
* الأصل 12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن في طلب الدنيا إضرارا بالأخرة وفي طلب الآخرة إضرارا بالدنيا، فأضروا بالدنيا فإنها أولى بالإضرار.
* الشرح قوله: (إن في طلب الدنيا أضرارا بالآخرة) لأن توجه الظاهر والباطن إليها وصرف الفكر فيها وفي كيفية تحصيلها وحفظها وإرسال القوة الشهوية والغضبية إلى الجلب والدفع ينافي طلب الآخرة والتوجه إليها ويفهم منه أن المذموم من الدنيا ما يضر بأمر الأخرة، وأما ما لا يضر به كقدر الحاجة في البقاء والتعيش فليس بمذموم بل ممدوح.
* الأصل 13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي عبيدة الحذاء قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): حدثني بما أنتفع به فقال: يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت، فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا.
* الشرح قوله: (أكثر ذكر الموت فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا) لأن أكثار ذكر الموت وما يلحق الإنسان بعده مع قلب حاضر من أشد الجواذب عن الدنيا إلى الله، وفيه تنفير عن محبة