كان لوحا من ذهب فيه مكتوب: عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟! عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن؟! عجب لمن أيقن ان البعث حق كيف يظلم؟! عجب لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها؟! وكان أبوهما صالحا كان بينهما وبين هذا الأب الصالح سبعون أبا فحفظهما الله بصلاحه، ثم قال: فأراد ربك ان يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما، فتبرأ من الأنانية في آخر القصص ونسب الإرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك لأنه لم يكن بقي شئ مما فعله فيخبر به بعد ويصير موسى عليه السلام به مخبرا و مصغيا إلى كلامه تابعا له فتجرد من الأنانية والإرادة تجرد العبد المخلص، ثم صار متنصلا مما أتاه من نسبه الأنانية في أول القصة، ومن ادعاء الاشتراك في ثاني القصة، فقال: رحمة من ربك وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا، ثم قال جعفر بن محمد " ع " ان أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك ان أول معصية ظهرت الأنانية عن إبليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم، فسجدوا وأبى إبليس اللعين ان يسجد، فقال عز وجل ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، قال: أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين، فكان أول كفرة قوله: أنا خير منه، ثم قياسه بقوله: خلقتني من نار وخلقته من طين، فطرده الله عز وجل عن جواره، ولعنه وسماه رجيما وأقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار.
قال مصنف هذا الكتاب: ان موسى عليه السلام مع كمال عقله وفضله ومحله من الله تعالى ذكره، لم يستدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر " ع " حتى اشتبه عليه وجه الامر فيه وسخط جميع ما كان يشاهده حتى أخبر بتأويله فرضى، ولو لم يخبر بتأويله لما أدركه ولو فنى في الكفر عمره فإذا لم يجز لأنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم، القياس والاستنباط والاستخراج، كان من دونهم من الأمم أولى بان لا يجوز لهم ذلك.