فلا بد في جميع (1) هذه الأوامر من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون وجه ذلك أن يقول: إذا قرأ فأنصتوا إلا عن أم القرآن كما قلنا نحن، وإما أن يكون وجه ذلك أن يقول: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن إلا إن قرأ الامام كما يقول بعض القائلين، وإما أن يكون وجه ذلك أن يقول: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن إلا أن يجهر الامام كما يقول آخرون * قال علي: فإذ لابد من لاحد هذه الوجوه، فليس بعضها أولى من بعض إلا ببرهان، وأما بدعوى فلا. فنظرنا في ذلك فوجدنا الحديث الذي قد ذكرناه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انصرف من صلاة الفجر وهي صلاة جهر فقال: (أتقرأون خلفي؟ قالوا: نعم، هذا يا رسول الله، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة إلا بها) فكان هذا كافيا في تأليف أوامره عليه السلام، لا يسع أحدا الخروج عنه * وقدموه قوم بأن قالوا: هذا خبر من رواية ابن إسحاق، ورواه مكحول مرة عن محمود بن الربيع عن عبادة، ومرة عن نافع بن محمود بن الربيع عن عبادة * قال علي: وهذا ليس بشئ، لان محمد بن إسحاق أحد الأئمة، وثقة الزهري، وفضله على من بالمدينة في عصره، وشعبة، وسفيان، وسفيان (2) وحماد، وحماد (3) ويزيد ويزيد (4) وإبراهيم بن سعد وعبد الله بن المبارك وغيرهم، قال فيه شعبة: محمد بن إسحاق أمير المحدثين هو أمير المؤمنين في الحديث (5). والعجب أن الطاعنين عليه ههنا هم الذين احتجوا بروايته التي لم يروها غيره في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبى العاصي بالنكاح الأول بعد اسلامه! فإذا روى ما يظنون أنه يوافق تقليدهم صار ثقة وصار حديثه حجة، وإذا روى ما يخالفهم صار مجرحا! وحسبنا الله ونعم الوكيل * وأما رواية مكحول هذا الخبر مرة عن محمود ومرة عن نافع بن محمود فهذا قوة للحديث
(٢٤١)