المباح مباحا في حقه وهذا لا يجوز فاما القول بالوجوب عملا مع الاعتقاد مبهما ان ما أراد الله تعالى به فهو حق مما لا ضرر فيه لأنه إن كان واجبا يخرج عن العهدة بفعله وان لم يكن واجبا يثاب على فعله فكان ما قلناه احترازا عن الضرر بقدر الامكان وانه واجب عقلا وشرعا والله أعلم * (فصل) * وأما تفسير رمى الجمار فرمى الجمار في اللغة هو القدف بالأحجار الصغار وهي الحصى إذ الجمار جمع جمرة والجمرة هي الحجر الصغير وهي الحصاة وفى عرف الشرع هو القدف بالحصى في زمان مخصوص ومكان مخصوص وعدد مخصوص على ما نبين إن شاء الله تعالى وعلى هذا يخرج ما إذا قام عند الجمرة ووضع الحصاة عندها وضعا انه لم يجزه لعدم الرمي وهو القذف وان طرحها طرحا أجزأه لوجود الرمي الا انه رمى خفيف فيجزئه وسواء رمى بنفسه أو بغيره عند عجزه عن الرمي بنفسه كالمريض الذي لا يستطيع الرمي فوضع الحصى في كفه فرمى بها أو رمى عنه غيره لان أفعال الحج تجرى فيها النيابة كالطواف والوقوف بعرفة ومزدلفة والله أعلم * (فصل) * وأما وقت الرمي فأيام الرمي أربعة يوم النحر وثلاثة أيام التشريق أما يوم النحر فأول وقت الرمي منه ما بعد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر فلا يجوز قبل طلوعه وأول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس قبل الزوال وهذا عندنا وقال الشافعي إذا انتصف ليلة النحر دخل وقت الجمار كما قال في الوقوف بعرفة ومزدلفة فإذا طلعت الشمس وجب وقال سفيان الثوري لا يجوز قبل طلوع الشمس والصحيح قولنا لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قدم ضعفة أهله ليلة المزدلفة وقال صلى الله عليه وسلم لا ترموا جمرة العقبة حتى تكونوا مصبحين نهى عن الرمي قبل الصبح وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلج أفخاذ أغيلمة بنى عبد المطلب وكأن يقول لهم لا ترموا جمرة العقبة حتى تكونوا مصبحين فان قيل قد روى أنه قال لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس وهذا حجة سفيان فالجواب ان ذلك محمول على بيان الوقت المستحب توفيقا بين الروايتين بقدر الامكان وبه نقول إن المستحب ذلك وأما آخره فآخر النهار كذا قال أبو حنيفة ان وقت الرمي يوم النحر يمتد إلى غروب الشمس وقال أبو يوسف يمتد إلى وقت الزوال فإذا زالت الشمس يفوت الوقت ويكون فيما بعده قضاء وجه قول أبى يوسف أن أوقات العبادة لا تعرف الا بالتوقيف والتوقيف ورد بالرمي في يوم النحر قبل الزوال فلا يكون ما بعده وقتا له أداء كما في سائر أيام النحر لأنه لما جعل وقته فيها بعد الزوال لم يكن قبل الزوال وقتا له ولأبي حنيفة الاعتبار بسائر الأيام وهو ان في سائر الأيام ما بعد الزوال إلى غروب الشمس وقت الرمي فكذا في هذا اليوم لان هذا اليوم إنما يفارق سائر الأيام في ابتداء الرمي لا في انتهائه فكان مثل سائر الأيام في الانتهاء فكان آخره وقت الرمي كسائر الأيام فإن لم يرم حتى غربت الشمس فيرمى قبل طلوع الفجر من اليوم الثاني أجزأه ولا شئ عليه في قول أصحابنا وللشافعي فيه قولان في قول إذا غربت الشمس فقد فات الوقت وعليه الفدية وفى قول لا يفوت الا في آخر أيام التشريق والصحيح قولنا لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للرعاء أن يرموا بالليل ولا يقال إنه رخص لهم ذلك لعذر لأنا نقول ما كان لهم عذر لأنه كان يمكنهم أن يستنيب بعضهم بعضا فيأتي بالنهار فيرمى فثبت ان الإباحة كانت لعذر فيدل على الجواز مطلقا فلا يجب الدم فان أخر الرمي حتى طلع الفجر من اليوم الثاني رمى وعليه دم للتأخير في قول أبي حنيفة وفى قول أبى يوسف ومحمد لا شئ عليه والكلام فيه يرجع إلى أن الرمي مؤقت عنده وعندهما ليس بمؤقت وهو قول الشافعي وهو على الاختلاف الذي ذكرنا في طواف الزيارة في أيام النحر انه مؤقت بها وجوبا عنده حتى الدم بالتأخير عنها وعندهم ليس بمؤقت أصلا فلا يجب بالتأخير شئ والحجج من الجانبين وجواب أبي حنيفة عن تعلقهما بالخبر والمعنى ما ذكرنا في الطواف والله أعلم * (فصل) * وأما وقت الرمي من اليوم الأول والثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثاني والثالث من أيام الرمي فبعد الزوال حتى لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وروى عن أبي حنيفة ان الأفضل أن يرمى في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال فان رمى قبله جاز وجه هذه الرواية ان قبل الزوال وقت
(١٣٧)