والأصل فيها قبل الاجماع الآيات والأخبار الآتية، وشرعت صيانة للأنساب وتحصينا لها من الاختلاط رعاية لحق الزوجين والولد، والناكح الثاني، والمغلب فيها التعبد بدليل أنها لا تنقضي بقرء واحد مع حصول البراءة به (والمعتدة) من النساء (على ضربين متوفى عنها وغير متوفى عنها) سلك المصنف رحمه الله تعالى في تقسيم الأحكام الآتية طريقة حسنة مع الاختصار، ثم بدأ بالضرب الأول فقال:
(فالمتوفى عنها) حرة كانت أو أمة (إن كانت حاملا) بولد يلحق الميت. (فعدتها بوضع الحمل) أي انفصال كله حتى ثاني توأمين ولو بعد الوفاة. لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * هو مقيد لقوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * ولقوله (ص) لسبيعة الأسلمية وقد وضعت بعد موت زوجها بنصف شهر: قد حللت فانكحي من شئت متفق عليه. وخرج بقولنا: يلحق الميت ما لو مات صبي لا يولد لمثله عن حامل فإن عدتها بالأشهر لا بالوضع لأنه منفي عنه يقينا لعدم إنزاله وكذا لو مات ممسوح وهو المقطوع جميع ذكره وأنثييه عن حامل فعدتها بالأشهر لا بالوضع إذ لا يلحقه ولد على المذهب لأنه لا ينزل فإن الأنثيين محل المني الذي يتدفق بعد انفصاله من الظهر ولم يعهد لمثله ولادة.
فائدة: حكي أن أبا عبيد بن حربويه قلد قضاء مصر وقضى به فحمله الممسوح على كتفه وطاف به الأسواق وقال: انظروا إلى هذا القاضي يلحق أولاد الزنا بالخدام ويلحق الولد مجبوبا قطع جميع ذكره وبقي أنثياه، فتعتد الحامل بوضعه لبقاء أوعية المني وما فيها من القوة المحيلة للدم. وكذا مسلول خصيتاه وبقي ذكره يلحقه الولد فتنقضي به العدة على المذهب، لأن آلة الجماع باقية فقد يبالغ في الايلاج فيلتذ وينزل ماء رقيقا (وإن كانت) أي المعتدة عن وفاة (حائلا) وهي بهمزة مكسورة غير الحامل (فعدتها) إن كانت حرة وإن لم توطأ أو كانت صغيرة أو زوجة صبي أو ممسوح. (أربعة أشهر وعشرا) من الأيام لقوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * وهو محمول على الحرائر كما مر، وعلى الحائلات بقرينة الآية المتقدمة وكالحائلات الحاملة من غير الزوج، وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول) * فإن قيل شرط الناسخ أن يكون متأخرا عن المنسوخ مع أن الآية الأولى متقدمة وهذه متأخرة. أجيب: بأنها متقدمة في التلاوة متأخرة