بينهم أو أعرض عنهم) ولا يختلف أهل العلم أن هذه الآية نزلت فيمن وادعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة قبل فرض الجزية، وإن حكم بينهما لم يلزمهما حكمه.
وإن دعا الحاكم أحدهما ليحكم بينهما لم يلزمه الحضور، وإن كانا ذميين نظرت فإن كان على دين واحد ففيه قولان (أحدهما) أنه بالخيار بين أن يحكم بينهما وبين أن لا يحكم، لأنهما كافران فلا يلزمه الحكم بينهما كالمعاهدين، وإن حكم بينهما لم يلزمهما حكمه، وإن دعا أحدهما ليحكم بينهما لم يلزمه الحضور.
والقول الثاني أنه يلزمه الحكم بينهما، وهو اختيار المزني لقوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولأنه يلزمه دفع ما قصد كل واحد منهما بغير حق فلزمه الحكم بينهما كالمسلمين، وان حكم بينهما لزمهما حكمه، وإن دعا أحدهما ليحكم بينهما لزمه الحضور، وإن كانا على دينين كاليهودي والنصراني ففيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين كالقسم قبله، لأنهما كافران فصارا كما لو كانا على دين واحد.
(والثاني) قول أبى علي بن أبي هريرة انه يجب الحكم بينهما قولا واحدا لأنهما إذا كانا على دين فلم يحكم بينهما تحاكما إلى رئيسهما فيحكم بينهما، وإذا كانا على دينين لم يرض كل واحد منهما برئيس الاخر فيضيع الحق. واختلف أصحابنا في موضع القولين، فمنهم من قال القولان في حقوق الآدميين وفى حقوق الله تعالى، ومنهم من قال القولان في حقوق الآدميين وأما حقوق الله تعالى فإنه يجب الحكم بينهما قولا واحدا، لان لحقوق الآدميين من يطالب بها ويتوصل إلى استيفائها فلا تضيع بترك الحكم بينهما، وليس لحقوق الله تعالى من يطالب بها فإذا لم يحكم بينهما ضاعت.
ومنهم من قال القولان في حقوق الله تعالى فأما في حقوق الآدميين فإنه يجب الحكم بينهما قولا واحدا، لأنه إذا لم يحكم بينهما في حقوق الآدميين ضاع حقه واستضر، ولا يوجد ذلك في حقوق الله تعالى، فإن تحاكم إليه ذمي ومعاهد ففيه قولان كالذميين وان تحاكم إليه مسلم وذمي أو مسلم ومعاهد لزمه