وقال القرطبي معترضا على قول مالك: إن مجئ اليهود سائلين له صلى الله عليه وسلم يوجب لهم عهد، كما لو دخلوا للتجارة فإنهم في أمان إلى أن يردوا إلى مأمنهم، ثم قال ومن جملة ما تمسك به من قال إن الاسلام شرط حديث ابن عمر مرفوعا وموقوفا (من أشرك بالله فليس بمحصن) ورجح الدارقطني وغيره الوقف قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) إذا امتنع الذمي من التزام الجزية أو امتنع من التزام أحكام المسلمين انتقض عهده، لان عقد الذمة لا ينعقد إلا بهما فلم يبق دونهما، وإن قاتل المسلمين انتقض عهده، سواء شرط عليه تركه في العقد أو لم يشرط، لان مقتضى عقد الذمة الأمان من الجانبين، والقتال ينافي الأمان فانتقض به العهد، وان فعل ما سوى ذلك نظرت فإن كان مما فيه اضرار بالمسلمين فقد ذكر الشافعي رحمه الله تعالى ستة أشياء، وهو أن يزني بمسلمة أو يصيبها باسم النكاح، أو يفتن مسلما عن دينه أو يقطع عليه الطريق أو يؤوى عينا لهم أو يدل على عوراتهم، وأضاف إليه أصحابنا أن يقتل مسلما، فإن لم يشرط الكف عن ذلك في العقد لم ينتقض عهده لبقاء ما يقتضى العقد من التزام أداء الجزية والتزام أحكام المسلمين والكف عن قتالهم.
وان شرط عليهم الكف عن ذلك في العقد ففيه وجهان:
(أحدهما) أن ه لا ينتقض به العقد، لأنه لا ينتقض به العهد من غير شرط فلا ينتقض به مع الشرط، كإظهار الخمر والخنزير وترك الغيار (الثاني) أنه ينتقض به العهد لما روى أن نصرانيا استكره امرأة مسلمة على الزنا فرفع إلى أبى عبيدة بن الجراح فقال: ما على هذا صالحنا كم، وضرب عنقه، ولان عقوبة هذه الأفعال تستوفى عليه من غير شرط فوجب أن يكون لشرطها تأثير، ولا تأثير الا ما ذكرناه من نقض العهد، فإن ذكر الله عز وجل أو كتابه أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دينه بما لا ينبغي فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق في حكمه حكم الثلاثة، الأولى وهي الامتناع من