ومما يدل على سماحة شرع الله أنه إن قتل الحر عبدا لغيره خطأ أو عمد خطأ أو جنى على طرفه خطأ أو عمد خطأ فهل تحمل عاقلته بدله؟ فيه قولان. أحدهما لا تحمله العاقلة بل يكون في مال الجاني، وبه قال مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور، لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا) والثاني تحمله العاقلة، وبه قال الزهري والحكم وحماد وهو الأصح لأنه يجب بقتله القصاص والكفارة، فحملت العاقلة بدله كالحر لحر.
وأما الخبر فقيل إنه موقوف على ابن عباس والقياس يقدم على الموقوف، وان صح كان تأويله لا تحمله العاقلة عن عبد إذا جنى. هذا مذهبنا، وقال أبو حنيفة تحمل العاقلة بدل نفس العمد ولا تحمل ما دون بدل النفس. دليلنا أن من حملت العاقلة بدل نفسه حملت ما دون بدل نفسه كالحر وعكسه البهيمة.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) ومن قتل نفسه خطأ لم تجب الدية بقتله ولا تحمل العاقلة ديته، لما روى أن عوف بن مالك الأشجعي ضرب مشركا بالسيف فرجع السيف عليه فقتله، فامتنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه وقالوا قد أبطل جهاده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل مات مجاهدا، ولو وجبت الدية على عاقلته لبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك (فصل) وما يجب بخطأ الامام من الدية بالقتل ففيه قولان (أحدهما) يجب على عاقلته لما روى أن عمر رضي الله عنه قال لعلي رضي الله عنه في جنين المرأة التي بعث إليها عزمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك. والثاني يجب في بيت المال لان الخطأ يكثر منه في أحكامه واجتهاده، فلو أوجبنا ما يجب بخطئه على عاقلته أجحفنا بهم، فإذا قلنا إنه يجب على عاقلته وجبت الكفارة في ماله كغير الامام، وإذا قلنا إنها تجب في بيت المال ففي الكفارة وجهان (أحدهما) أنها تجب في ماله لأنها لا تتحمل (والثاني) أنها تجب في بيت المال لأنه يكثر خطؤه، فلو أوجبنا في ماله أجحف به.