من الجزية رجع إليهم في ذلك لأنه لا تمكن معرفته مع تعذر البينة إلا من جهتهم ويحلفهم استظهارا ولا يجب لان ما يدعونه لا يخالف الظاهر، فإن قال بعضهم هو دينار وقال بعضهم هو ديناران أخد من كل أحد منهم ما أقربه، لان إقرارهم مقبول، وتقبل شهادة بعضهم على بعض، لان شهادتهم لا تقبل، وإن ثبت بعد ذلك بإقرار أو بينة أن الجزية كانت أكثر استوفى منهم، فإن قالوا كنا ندفع دينارين دينارا عن الجزية ودينارا هدية فالقول قولهم مع يمينهم واليمين واجبة لان دعواهم تخالف الظاهر، وإن غاب منهم رجل سنين ثم قدم وهو مسلم وادعى أنه أسلم في أول ما غاب ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يقبل قوله ويطالب بجزية ما مضى في غيبته في حال الكفر، لان الأصل بقاؤه على الكفر (والثاني) أنه يقبل لان الأصل براءة الذمة من الجزية.
(الشرح) قال أبو يوسف في الخراج (ولا يضرب أحد من أهل الذمة في استيدائهم الجزية، ولا يقاموا في شمس ولا غيرها ولا يجعل عليهم في أبدانهم من المكاره، ولكن يرفق بهم ويحبسون حتى يؤدوا ما عليهم ولا يخرجون من الحبس حتى تستوفى منهم الجزية.
اللغة قوله (أدعج العينين) الدعج شدة سواد المقلة وشدة بياض بياضها قوله (مقرون الحاجبين) هو التقاء طرفيهما، وهو مذموم وضده البلج وهو أن ينقطعا حتى يكون ما بينهما نقيا من الشعر وهو محمود، والقنا حد يداب الانف مع ارتفاع قصبته.
قوله (ويحلفهم استظهارا) مأخوذ من الظهور وهو الظاهر الذي لاخفاء به والاستظهار الاخذ بالجزم واليقين، وأصله عند العرب أن الرجل إذا سافر أخذ مع بعيرا آخر خوف أن يعبأ بعيره فيركب الاخر والبعير هو الظهر ذكره الأزهري.