ولم ينقل أن أحدا من الخلفاء أجلى من كان باليمن من أهل الذمة، وإن كانت من جزيرة العرب، فإن جزيرة العرب في قول الأصمعي من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول، ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام في العرض، وفى قول أبى عبيدة ما بين حفر أبى موسى الأشعري إلى أقصى اليمن في الطول وما بين النهرين إلى السماوة، وفى العرض قال يعقوب حفر أبى موسى على منازل من البصرة من طريق مكة على خمسة أو ستة منازل، وأما نجران فليست من الحجاز ولكن صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يأكلوا الربا فأكلوا ونقضوا العهد فأمر بإجلائهم فأجلاهم عمر، ويجوز تمكينهم من دخول الحجاز لغير الإقامة، لان عمر رضي الله عنه أذن لمن دخل منهم تاجرا في مقام ثلاثة أيام ولا يمكنون من الدخول بغير إذن الإمام، لان دخولهم إنما أجيز لحاجة المسلمين، فوقف على رأى الامام، فإن استأذن في الدخول فن كان للمسلمين فيه منفعة بدخوله لحمل ميرة أو أداء رسالة أو عقد ذمة أو عقد هدنة أذن فيه، لان فيه مصلحة للمسلمين، فإن كان في تجارة لا يحتاج إليها المسلمون لم يؤذن له إلا بشرط أن يأخذ من تجارتهم شيئا، لان عمر رضي الله عنه أمر أن تؤخذ من أنباط الشام من حمل القطنية من الحبوب العشر ومن حمل الزيت والقمح نصف العشر ليكون أكثر للحمل، وتقدير ذلك إلى رأى الامام، لان أخذه باجتهاده فكان تقديره إلى رأيه، فإن دخل للتجارة فله أن يقيم ثلاثة أيام ولا يقيم أكثر منها لحديث عمر رضي الله عنه، ولأنه لا يصير مقيما بالثلاثة ويصير مقيما بما زاد.
وإن أقام في موضع ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر وأقام ثلاثة أيام، ثم كذلك ينتقل من موضع إلى موضع ويقيم في كل موضع ثلاثة أيام جاز، لأنه لم يصر مقيما في موضع، ولا يمنع من ركوب بحر الحجاز، لأنه ليس بموضع للإقامة، ويمنع من المقام في سواحله والجزائر المسكونة فيه لأنه من بلاد الحجاز وإن دخل لتجارة فمرض فيه ولم يمكنه الخروج أقام حتى يبرأ لأنه موضع ضرورة وان مات فيه وأمكن نقله من غير تغير لم يدفن فيه لان الدفن إقامة على التأييد وان خيف عليه التغير في النقل عنه لبعد المسافة دفن فيه لأنه موضع ضرورة.