(فصل) وإن عقدت الذمة بشرط أن لا يمنع عنهم أهل الحرب فظرت فإن كانوا مع المسلمين أو في موضع إذا قصدهم أهل الحرب كان طريقهم على المسلمين لم يصح العقد لأنه عقد على تمكني الكفار من المسلمين فلم يصح، وإن كانوا منفردين عن المسلمين في موضع ليس لأهل الحرب طريق على المسلمين صح العقد لأنه ليس فيه تمكين الكفار من المسلمين، وهل يكره هذا الشرط؟
قال الشافعي رضي الله عنه في موضع يكره، وقال في موضع لا يكره، وليست المسألة على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين، فالموضع الذي قال يكره إذا طلب الامام الشرط، لان فيه اظهار ضعف المسلمين، والموضع الذي قال لا يكره إذا طلب أهل الذمة الشرط لأنه ليس فيه اظهار ضعف المسلمين، وإن أغار أهل الحرب على أهل الذمة، وأخذوا أموالهم ثم ظفر الامام بهم واسترجع ما أخذوه من أهل الذمة وجب على الامام رده عليهم، وان أتلفوا أموالهم أو قتلوا منهم لم يضمنوا لأنهم لم يلتزموا أحكام المسلمين، وان أغار من بيننا وبينهم هدنة على أهل الذمة وأخذوا أموالهم وظهر بها الامام واسترجع ما أخذوه وجب رده على أهل الذمة، وان أتلفوا أموالهم وقتلوا منهم وجب عليهم الضمان لأنهم التزموا بالبدنة حقوق الآدميين، وان نقصوا العهد وامتنعوا في ناحية ثم أغاروا على أهل الذمة وأتلفوا عليهم أموالهم وقتلوا منهم ففيه قولان (أحدهما) أنه يجب عليهم الضمان (والثاني) لا يجب كالقولين فيما يتلف أهل الردة إذا امتنعوا وأتلفوا على المسلمين أموالهم أو قتلوا منهم (الشرح) قوله (ويجب على الامام) قالت الحنابلة (ويحرم قتال أهل الذمة وأخذ مالهم ويجب على الامام حفظهم ومنع من يؤذيهم) لأنهم إنما بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم.
روى عن علي رضي الله عنه أنه قال (إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا.
وقال الكاساني الحنفي في البدائع: وأما بيان حكم العقد فنقول وبالله التوفيق أن لعقد الذمة أحكاما منها عصمة النفس لقوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون