وأما من كان من عبدة الأوثان فدخل في دينهم، فلا يخلو أن يدخل في دينهم قبل نسخ شرعهم أو بعده، فإن كان قبل نسخ شرعهم أقروا عليه، وإن كان بعد نسخ شرعهم لم يقروا عليه لقوله عليه السلام: من بدل دينه فاقتلوه، وهذا عام إلا من خصه الدليل.
ومن أخذنا منه الجزية لا يجوز لنا أكل ذبائحهم ومناكحتهم على الظاهر من المذهب عندنا، ومن لا تؤخذ منه الجزية لم يحل ذلك بلا خلاف.
فأما المجوس فحكمهم حكم أهل الكتاب، وروى أصحابنا أنه كان لهم كتاب فأحرقوه، وروي ذلك عن علي عليه السلام.
وإذا أحاط المسلمون بقوم من المشركين فذكروا أنهم أهل كتاب وبذلوا الجزية فإنه تقبل منهم، لأنه لا يتوصل إلى معرفة دينهم إلا من جهتهم، فيعقد لهم الجزية بشرط أنهم إن كانوا على ما قالوا ثبت العهد وإن كانوا بخلافه نبذ إليهم، ويعرف ذلك بأحد أمرين: إما أن يقروا كلهم، أو يسلم اثنان منهم ويعدلان ويشهدان أنهم ليسوا بأهل كتاب، فإن قال بعضهم: إنا أهل كتاب، وقال بعضهم: لسنا أهل كتاب، حكم لكل قوم منهم بحسب قوله، ولا يقبل قول بعضهم على بعض لأن شهادة الكفار بعضهم على بعض لا تقبل.
فإن دخل عابد وثن في دين أهل كتاب قبل النسخ وله ابنان صغير وكبير فأقاما على عبادة الأوثان، ثم جاء الإسلام ونسخ كتابهم، فإن الصغير إذا بلغ وقال: إنني على دين أبي وأبذل الجزية أقر عليه لأنه تبع أباه في الدين، وأما الكبير، فإن أراد أن يقيم على دين أبيه ويبذل الجزية لم يقبل منه، لأن له حكم نفسه ودخوله في الدين بعد النسخ لا يصح.
فإن كانت المسألة بحالها ودخل أبوهما في دين أهل الكتاب ثم مات ثم جاء الإسلام وبلغ الصبي واختار دين أبيه ببذل الجزية أقر عليه لأنه تبعه في دينه فلا تسقط بموته، والكبير فلا يقر بحال لأن له حكم نفسه.