فصل: في كيفية عقد الجزية والأمان ومقدار الجزية ومن تجب عليه:
الأمان على ضربين: هدنة وعقد جزية.
فالهدنة عقد أمان إلى مدة إما على عوض أو على غير عوض، وسنبين حكمه فيما بعد.
وأما عقد الجزية فهو الذمة ولا يصح إلا بشرطين: التزام الجزية وأن يجري عليهم أحكام المسلمين مطلقا من غير استثناء.
فالتزام الجزية وضمانها لا بد منه لقوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون، إلى قوله: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وحقيقة الإعطاء هو الدفع غير أن المراد هاهنا الضمان وإن لم يحصل الدفع.
وأما التزام أحكامنا وجريانها عليهم فلا بد منه أيضا وهو الصغار المذكور في الآية، وفي الناس من قال: الصغار هو وجوب جري أحكامنا عليهم، ومنهم من قال: الصغار أن تؤخذ منه الجزية قائما والمسلم جالس.
وليس للجزية حد محدود ولا قدر مقدور، بل يضعها الإمام على أراضيهم أو على رؤوسهم على قدر أحوالهم من الضعف والقوة بمقدار ما يكونون صاغرين به، وقد روى أصحابنا أن أمير المؤمنين عليه السلام وضعها على الموسر ثمانية وأربعين درهما، وعلى المتوسط أربعة وعشرين درهما، وعلى المتحمل اثني عشر درهما، والمذهب الأول، فإنما فعل علي عليه السلام ذلك اتباعا لمن تقدمه أو لما رآه في الحال من المصلحة.
والفقير الذي لا شئ معه تجب عليه الجزية لأنه لا دليل على إسقاطها عنه، وعموم الآية يقتضيه، ثم ينظر، فإن لم يقدر على الأداء كانت في ذمته فإذا استغنى أخذت منه الجزية من يوم ضمنها، وعقد العقد له بعد أن يحول عليه الحول.
وأما النساء والصبيان والبله والمجانين فلا جزية عليهم بحال.
إذا عقد الصلح على بلد من بلاد الحرب على أن تكون الأرض لنا أو لهم وعقد لهم الذمة بجزية اتفقوا عليها، فيجوز أن يشرط عليهم ضيافة من مر بهم من