وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، فقام الناس في مراتبهم والمأمون جالسٌ في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السّلام.
فقال يحيى بن أكثم للمأمون: تأذن لي يا أميرالمؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟ فقال المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبو جعفر عليه السّلام: سل ان شئت.
فقال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيداً.
فقال أبو جعفر عليه السّلام: قتله في حلّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلًا؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟
مبتدئاً بالقتل أو معيد؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كباره؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم بالنهار، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرم؟.
فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس عجزه.
فقال المأمون: الحمد للَّه على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر الى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه، ثم أقبل على أبي جعفر فقال له:
أتخطب يا أبا جعفر؟
قال نعم يا أميرالمؤمنين. فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك، فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوّجك أم الفضل ابنتي وان رغم أنوف قوم لذلك.
فقال أبو جعفر عليه السّلام: الحمد للَّه اقراراً بنعمته، ولا اله الّا اللَّه اخلاصاً لوحدانيته، وصلى اللَّه على سيد بريته والأصفياء من عترته، أما بعد: فقد كان من فضل اللَّه على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه:«وَأَنكِحُوا