الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدان فلم يبق ولي للَّه الّا خائفاً على دمه (وفي رواية اخرى الّا خائفاً على دمه انّه مقتول) والا طريداً والا شريداً، ولم يبق عدو للَّه الّا مظهراً حجته غير مستتر ببدعته وضلالته، فلما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي وعبداللَّه بن عباس وعبد اللَّه بن جعفر معه فجمع الحسين بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم، ومن الانصار من يعرفه الحسين عليه السّلام وأهل بيته، ثم أرسل رسلًا: لا تدعوا أحداً ممن حج العام ممن اصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم المعروفين بالصلاح والنسك الّا اجمعهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبع مائة رجل وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين ونحوٌ من مائتي رجل من اصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فقام فيهم خطيباً فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فان هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، واني أريد ان اسألكم عن شي ء فان صدقت فصدقوني، وان كذبت فكذبوني، واسألكم بحق اللَّه عليكم وحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وقرابتي من نبيكم لما سيرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم اجمعين في امصاركم من قبائلكم من أمنتم من الناس، (وفي رواية اخرى بعد قوله فكذبوني:
اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى امصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس) ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فاني اتخوف ان يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب،«وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ». وما ترك شيئاً ممّا أنزل اللَّه فيهم من القرآن الا تلاه وفسرّه ولا شيئاً ممّا قاله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول اصحابه:
اللهم نعم، وقد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللّهم قد حدثني به من أصدقه