وانفعالاتها والحوادث المترتبة على ذلك، فلا تجد خلالها موجودا لا يرتبط بغيره في كينونته وتأثيره وتأثره، وقد تقدم في مباحث الحركة الجوهرية ما يتأيد به ذلك (1).
فلكل حادث من كينونة أو فعل أو انفعال استناد إلى مجموع العالم. ويستنتج من ذلك أن بين أجزاء العالم نوعا من الوحدة، والنظام الوسيع الجاري فيه واحد، فهذا أصل.
ثم إن المتحصل مما تقدم من المباحث وما سيأتي أن هذا العالم المادي معلول لعالم نوري مجرد عن المادة متقدس عن القوة، وأن بين العلة والمعلول سنخية وجودية بها يحكى المعلول بما له من الكمال الوجودي بحسب مرتبته الكمال الوجودي المتحقق في العلة بنحو أعلى وأشرف، والحكم جار إن كان هناك علل عقلية مجردة بعضها فوق بعض حتى تنتهي إلى الواجب لذاته جل ذكره.
ويستنتج من ذلك أن فوق هذا النظام الجاري في العالم المشهود نظاما عقليا نوريا مسانخا له هو مبدأ هذا النظام وينتهي إلى نظام رباني في علمه (تعالى) هو مبدأ الكل، وهذا أيضا أصل.
ومن الضروري أيضا أن علة علة الشئ علة لذلك الشئ، وأن معلول معلول الشئ معلول لذلك الشئ. وإذ كانت العلل تنتهي إلى الواجب (تعالى)، فكل موجود كيفما فرض فهو أثره، وليس في العين إلا وجود جواهر وآثارها والنسب والروابط التي بينها، ولا مستقل في وجوده إلا الواجب بالذات، ولا مفيض للوجود إلا هو.
فقد تبين بما تقدم أن الواجب (تعالى) هو المجري لهذا النظام الجاري في نشأتنا المشهودة والمدبر بهذا التدبير العام المظل على أجزاء العالم، وكذا النظامات العقلية النورية التي فوق هذا النظام وبحذائه على ما يليق بحال كل منها